'إلي أمي.. وكل أم.. في عيد الأم' |
*** |
في الركن يبدو وجه أمي |
لا أراه لأنه |
سكن الجوانح من سنين |
فالعين إن غفلت قليلا لا تري |
لكن من سكن الجوانح لا يغيب |
وإن تواري.. مثل كل الغائبين |
يبدو أمامي وجه أمي كلما |
اشتدت رياح الحزن.. وارتعد الجبين |
الناس ترحل في العيون وتختفي |
وتصير حزنـا في الضلوع |
ورجفة في القلب تخفق.. كل حين |
لكنها أمي |
يمر العمر أسكنـها.. وتسكنني |
وتبدو كالظلال تطوف خافتة |
علي القلب الحزين |
منذ انشطرنا والمدي حولي يضيق |
وكل شيء بعدها.. عمر ضنين |
صارت مع الأيام طيفـا |
لا يغيب.. ولا يبين |
طيفـا نسميه الحنين.. |
*** |
في الركن يبدو وجه أمي |
حين ينتصف النهار.. |
وتستريح الشمس |
وتغيب الظلال |
شيء يؤرقني كثيرا |
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضي |
زوالا في زوال |
في أي وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤي |
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال |
في أي وقت أو زمان سوف نختتم الرواية.. |
عاجزين عن السؤال |
واستسلم الجسد الهزيل.. تكسرت |
فيه النصال علي النصال |
هدأ السحاب ونام أطيافـا |
مبعثرة علي قمم الجبال |
سكن البريق وغاب |
سحر الضوء وانطفأ الجمال |
حتي الحنان يصير تـذكارا |
ويغدو الشوق سرا لا يقال |
في الركن يبدو وجه أمي |
ربما غابت.. ولكني أراها |
كلما جاء المساء تداعب الأطفال |
*** |
فنجان قهوتها يحدق في المكان |
إن جاء زوار لنا |
يتساءل المسكين أين حدائق الذكري |
وينبوع الحنان |
أين التي ملكت عروش الأرض |
من زمن بلا سلطان |
أين التي دخلت قلوب الناس |
أفواجا بلا استئذان |
أين التي رسمت لهذا الكون |
صورته في أجمل الألوان |
ويصافح الفنجان كل الزائرين |
فإن بدا طيف لها |
يتعثر المسكين في ألم ويسقط باكيا |
من حزنه يتكسر الفنجان |
من يوم أن رحلت وصورتها علي الجدران |
تبدو أمامي حين تشتد الهموم وتعصف الأحزان |
أو كلما هلت صلاة الفجر في رمضان |
كل الذي في الكون يحمل سرها |
وكأنها قبس من الرحمن |
لم تعرف الخط الجميل |
ولم تسافر في بحور الحرف |
لم تعرف صهيل الموج والشطآن |
لكنها عرفت بحار النور والإيمان |
أمية.. |
كتبت علي وجهي سطور الحب من زمن |
وذابت في حمي القرآن |
في الأفق يبدو وجه أمي |
كلما انطلق المؤذن بالأذان |
كم كنت ألمحها إذا اجتمعت علي رأسي |
حشود الظلم والطغيان |
كانت تلم شتات أيامي |
إذا التفت علي عنقي حبال اليأس والأحزان |
تمتد لي يدها بطول الأرض.. |
تنقذني من الطوفان |
وتصيح يا الله أنت الحافظ الباقي |
وكل الخلق ياربي إلي النسيان |
*** |
شاخت سنين العمر |
والطفل الصغير بداخلي |
مازال يسأل.. |
عن لوعة الأشواق حين يذوب فينا القلب |
عن شبح يطاردني |
من المهد الصغير إلي رصاصة قاتلي |
عن فـرقة الأحباب حين يشدنا |
ركب الرحيل بخطوه المتثاقل |
عن آخر الأخبار في أيامنا |
الخائنون.. البائعون.. الراكعون.. |
لكل عرش زائل |
عن رحلة سافرت فيها راضيا |
ورجعت منها ما عرفت.. وما اقتنعت.. وما سلمت.. |
وما أجبتك سائلي |
عن ليلة شتوية اشتقت فيها |
صحبة الأحباب |
والجلاد يشرب من دمي |
وأنا علي نار المهانة أصطلي |
قد تسألين الآن يا أماه عن حالي |
وماذا جد في القلب الخلي |
الحب سافر من حدائق عمرنا |
وتغرب المسكين.. |
في الزمن الوضيع الأهطـل |
ما عاد طفلك يجمع الأطيار |
والعصفور يشرب من يدي |
قتلوا العصافير الجميلة |
في حديقة منزلي |
أخشي عليه من الكلاب السود |
والوجه الكئيب الجاهل |
أين الذي قد كان.. |
أين مواكب الأشعار في عمري |
وكل الكون يسمع شدوها |
وأنا أغني في الفضاء.. وأنجـلي |
شاخ الزمان وطفلك المجنون.. |
مشتاق لأول منزل |
مازال يطرب للزمان الأول |
شيء سيبقي بيننا.. وحبيبتي لا ترحلي |
*** |
في كل يوم سوف أغرس وردة |
بيضاء فوق جبينها |
ليضيء قلب الأمهات |
إن ماتت الدنيا حرام أن نقول |
بأن نبع الحب مات |
قد علمتني الصبر في سفر النوارس.. |
علمتني العشق في دفء المدائن.. |
علمتني أن تاج المرء في نبل الصفات |
أن الشجاعة أن أقاوم شح نفسي.. |
أن أقاوم خسة الغايات |
بالأمس زارتني.. وفوق وسادتي |
تركت شريط الذكريات |
كم قلت لي صبرا جميلا |
إن ضوء الصبح آت |
شاخت سنين العمر يا أمي |
وقلبي حائر |
مابين حلم لا يجيء.. |
وطيف حب.. مات |
وأفقت من نومي |
دعوت الله أن يحمي |
جميع الأمهات |