وزعت الأملاك القروية بطريقة مشابهة لتوزيع الأملاك المتروكة في المدن. وبينما الحرب على أشدها تجول ليفي شكولنيك (إشكول)، رئيس قسم الإستيطان التابع للوكالة اليهودية [وفيما بعد أصبح وزير الوزراء]، في القرى العربية التي اُفرغت واُحتلت. ووجد، على حد قوله، ((آثار لما كان وزال))، منازل مسطوا عليها، منهوبة ومحروقة، والمنظر ((يلتقط وتراكم عبر العينين والأنف والرأس والدماغ والدم والقلب ...)) وفي أحد أيام النصف الثاني من سنة 1948، ذهب إشكول الى القدس يرافقه السائق والى جانبه مساعده رعنان ويتز، نجل يوسف ويتز. ومر إشكول، وهو في الطريق، بالقرب من البرية، قرية صغيرة على رأس تلة ضخرية جنوبي شرقي الرملة المطلة على طريق اللطرون. وعندما لاحظ البيوت الحجرية المتروكه خطر في باله ان يُسكن فيها مهاجرين جدد. وروى فيما بعد: ((لم أكن أعرف التفاصيل بعد، لكنني أعتقد أن المكان مهجور ويشكل أيضا حلولاً لجمع شملنا)). أوقف [إشكول] السيارة وجال مع ويتز في القرية. وفي أثناء سفرهما الى القدس، وضعا الخطة لإسكان القرية بالمهاجرين، وحينما وصلا حل الظلام. وقال إشكول: ((في ذلك المساء بالذات إتصلت بالحركات الإستيطانية، ودعوت المهندسين، وطلبت مشورة ونصحا بإستعارة سلاح الهندسة، وبدأت تحريك العجلة الكبيرة التي ستساعدنا، في ذلك الشتاء، على تحويل ما يزيد من 45 قرية متروكة الى مستعمرات تزخر بالحياة من جديد)). في نهاية تشرين الثاني / نوفمبير، قال أيضاً لأعضاء المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية أنه لم يتجاهل إحتمال عودة جزء من السكان السابقين الى المنطقة المتروكة. وشرح أنه ((بسبب أن زرعتنا ستكون كثيفة فسيكون ممكناً أيضًا تسليمهم مناطق للزراعة)). وعلى حد قوله، لم يكن لديه ميل الى إسكان منازل العرب بالمهاجرين إلا بصورة مؤقتة فقط، الى أن يبنوا منازل جديدة لهم. في النصف الثاني من سنة 1948، أعد قسم الإستطان التابع للوكالة اليهودية قائمة بعشرات القرى العربية، وأوصى بأن يُوطّن فيها وفي جوارها نوى إستيطانية ومهاجرون جدد. كان مُعظم هذه القرى مهجوراً، لكن القليل منها لم يكن فارغا تماما، إذ خصص بعضها للتدمير بموجب خطط الإستيطان. وكان مُقدرا لأريضها أن تستخدم للإستيطان الجديد. وجد بين وزراء الحكومة من إشتكى على مسمع بن-غوريون من أن الجيش يدمر بعض القرى التي إحتلها. وطرح الوزراء شطريت وبنطوف وتسيزلينغ الموضوع في جلسات الحكومة، مرة تلو الأخرى. وقال تسيزلينغ في إحدى الجلسات: (( بينما كنت أسير في الطرق كانت تصلني شائعات عن تدمير أملاك. وأريد أن أعرف من أعطى امر القيام بذلك. كنت في بيسان، وبلّغني أشخاص أثق بهم أن القائد العسكري تلقى تعليمات لتدمير المكان ... إنني اُقدم حقائق عن قرى رأيتها مدمرة. وشاهدت في عيمك حيفر [وادي الحوارث] قرى عربية لم تدمر خلال القتال، بل تركها سكانها. وهي الآن مُدمرة ويجب ان يُستدعى من دمرها للتحقيق معه ...)).وقال بن-غوريون: ((عندما تتحدث عن بيسان فهذا أمر محدد. لكن عندما تقول بصورة عامة ان قرى قد دُمرت، فإنني لا أستطيع أن أرسل أشخاصا للبحث عن قرى مُدمرة)).فقال تسيزلينغ: ((من دمر قرية سركس الموجودة في عيمك حيفر؟ في إحدى الجلسات السابقة ذكرت إسم (موسى) غولدنبرغ (من سكان بيت ألفا) الذي تحدث عن تعليمات لتدمير (40 قرية) وذكر إسمك. إنني لا أعتقد ان ذلك تم بإسمك فعلاً. إنني لا أتكلم الآن في الناحية السياسة، بل في اُمور تجري تلقائياً)). ليس كل شيء ((يجري تلقائيا)). في أيلول /سبتمر، أبلغ بن-غوريون الى أعضاء اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة ان اللواء تسفي أيلون، قائد الجبهة الوسطى، يرى ضرورة ((تدمير جزئي)) الى 14 قرية عربية. لقد شرح اللواء لرئيس الحكومة أن تدمير القرى مطلوب لأنه ((بسبب النقص في الطاقة البشرية للإستيلاء على المنطقة والتحصن في العمق، هناك حاجة ملحة الى أيجاد قواعد دفاعية في عمق القطاع)). وقال بن-غوريونن للوزراء(بما ان هناك صعوبات كثيرة في إنعقاد لجان، أطلب منك إبلاغي رأيك مكتوبا. سأنتظر ردك ثلاثة أيام .... وسيعتبر عدم الرد موافقة)). طلب الوزراء مزيدا من التوضيحات. وفي أيلول سبتمبر 1949، ناقشت الحكومة تدمير المدينة القديمة في طبرية. وخلال ذلك إستندوا الى رأي يغئيل يادن في وجوب تدمير المدينة القديمة كلها، عدا الأماكن المقدسة، وذلك لمنع إحتمال عودة العرب إليها. لقد أخد المخطون في الحسبان أيضاً أراضي ذات مُلكية يهودية. وشددوا في خططهم على ألا تكون أكثرية الأراضي التي ستصادر من العرب زراعية، وعلى أن يبقى منها بعد مصادرتها ما يكفي إعالة القرى العربية التي بقيت [عامرة] أيضاً. وجرى التخطيط بتعاون وثيق مع الجيش الإسرائيلي الذي أراد نقاطا مُعينة، لم يطلب أحد الإستيطان فيها. كان الإفتراض أن تحصن المستعمرات الجديدة حدود البلد، وتمنع عودة القرويين الذين هربوا وطردوا خلال الحرب وبعدها. ورأى يوسف ويتز، مسؤول الكيرين كاييمت ليسرائيل (الصندوق القومي اليهودي)، في خطط الإستيطان الجديدة إستمراراً مباشراً للجهود التي بذلتها الحركة االصهيونية طوال سنين كثيرة، بواسطة الكيرين كاييمت، ((لإنقاذ)) أرض البلد. خلال ذلك إشترت (الكيرين كاييمت) مئات آلاف الدونمات من أصحابها العرب، دونما هنا وآخر هناك. حتى بعد إعلان الإستقلال واصل الشراء. وكتب ويتز في مُذكراته ( لقد أشرت على خرائطي مساحات أراضي لقرية تلو القرية، وأتوق الى إبتلاع كل شيء)). إعتقد بن غوريون أن الأموال تذهب هدراً، وفضل مصادرة الأراضي، ورأى إن إستعداد الكيرين كاييمت لدفع ثمنها سيرفع سعرها فقط. وقد واصل ويتز الشراء لأنه، بين اًمور اُخرى، خشي أن تفقد الكيرين كاييمت، بإجهزتها، مبرر وجودها وتقفل. وكتب بمرارة قائلا(إن تفكير بن-غوريون وكابلان هو أن الدولة فوق الجميع، وليست المنظمة الصهيونية إلى أداة مساعدة، ولذلك ستبقى قائمة طوال الفترة التي ستكون فيها ضرورية)). وأمضى وايتز معظم وقته متجولا أرجاء البلد، حيث الهبت القرى المتروكة خياله: أرهبته في الليل لكونها فارغة ومظلمة. وعندما رآها في النهار، ذات مناظر خلابة، مزهرة وخالية من البشر، خجل -على حد قوله- لأن اليهود لم يستوطنوها بعد. وكتب(هذا البلد واسع والإحساس بالإتساع ينعش القلب)). بعد قليل قررت الحكومة أن تشجع إسكان المهاجرين في كل القرى المتروكة في الجليل. وورد في قرار الحكومة ((ان اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة ستدرس القضايا المتعلقة بالعرب)). في آب/أغسطس 1948، بحثت اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة في إقامة 61 مستعمرة جديدة. وإقترحت المؤسسات المسؤولة عن الإستيطان الإكتفاء، في هذا الأثناء، بإقامة 32 مستعمرة على مساحة 120 ألف دونم، منها 58 ألف دونم أراضي عربية، و20 ألف دونم أراضي حكومية، ونحو 20 ألف دونم أراض اُخرى، خصوصاً المانية. وفي إحدى الأمكنة أملاك للوقف [الإسلامي]. وهناك 23 ألف دونم أراضي يهودية. ابدى الوزراء رأيهم في مستقبل السكان العرب، وطرحوا مقترحات لترتيب نقلهم [أو ترحيلهم] قانونياً: لقد وصف وزير الزراعة [تسيزلينغ] الترتيبات القانونية ((بالخرافة)). بعد بضعة أيام من ذلك، جال رجال مكتب الصحة في إحدى القرى المتروكة بضواحي القدس: كان يرافقهم ممثلوا الحكم العسكري وممثلو قسم الإستيعاب التابع للوكالة اليهودية. وقد وجد موظفو مصلحة الشؤون الصحية في القرية بعوضاً ناقلاً للمرايا، فأعلنوا أنه قبل أن يصبح إسكان القرية ممكنناً يجب رش المنازل بمادة ال د. د. ت. وتعقيم آبار المياه. كانت هذه مُشكلة مالية. وإقترح مكتب الصحة الإستعانة بمتطوعين لإنجاز العمل. وأكد مكتب الصحة أن العمل سهل جداً. وإقترح إستعارة قفازات واقية للأشخاص الذين سيقومون في عملية الرش. وقد رد المسؤول عن قطاع القدس بأن حتى الساعة لا توجد نية في إسكان القرية. لكن ممثلي قسم الإستيطان التابع للوكالة اليهودية الذين جالوا في أراضي القرية كتبوا في تقريرهم لدى عودتهم ما يلي: ((... لانملك معطيات عن مساحة الأراضي، إذ لا توجد خرائط دقيقة تظهر مساحة القرية وخارجها. لكن بقدر ما يمكن ان نحكم من معاينة المكان، فإن الإراضي القابلة للإستغلال الزراعي كبيرة، وتبلغ مئات الدونمات من الأراضي الجيدة والملائمة للزراعة. لقد حرث رجال القرية السابقون هذه الأراضي سنين كثيرة، وزرعوا حول البيوت حدائق وأشجار مثمرة واشجار الزيتون توفر إكتفاء ذاتياً للمستوطنين العتيدين. وفي ضوء المعطيات المذكورة أعلاه، وجدنا أنه من الملائم تقسيم القرية الى نموذج إستيطان، هما : أ- حي مع مزرعة مساعدة مبني على مساحة 5 دونمات، يُخصص فيها لكل مستوطن منزل وفناء قطعة أرض لزراعة الخضراوات والأزهار وأشجار الفاكهة. أضف الى ذلك سينشىء المستوطنون مزرعة دجاج تتسع الى 500 - 1000 طير، ب- سيخدم وسط القرية لإسكان حرفيين وتطوير ورش ومحجار، وسوف يعتاش قسم من الحرفبن من عمله في المكان نفسه وفي مدينة القدس أيضاً. هذان الشكلان من الإستيطان يمكن أن يستوعبا نحو 150- 200 عائلة، أي ما يعادل 50 وحدة مع مزرعة مساعدة، والباقي يكون للسكن فقط. والأبنية بصورة عامة مبنية بشكل أصيل وجميل، ولا تتطلب إصلاحات أساسية. وهناك أيضا بالقرب من كل منزل بئر مياه للإستخدام المنزلي. أن قرب انبوب المياه الرئيسي، الذي يزود القدس، يتيح أيضاً تزويد المستوطنة بمياه إضافيا وقت الحاجة. صحيح أنه لا توجد مراحيض عصرية، لكن هذا الأمر يمكن إصلاحه. يوجد في القرية مباني عامة، مثل مدرسة ومقر رئيسي للمؤسسات العامة ...الخ)). في الأسابيع التالية نشب سوء تفاهم بين قسمين من أقسام الوكالة اليهودية، فكل منها يريد أن يستلم القرية! لكنهما إتفقا في كانون ثاني/يناير، على أن يتسلم قسم الإستيعاب [القرية] على أن يقيم على أراضيها معسكراً للمهاجرين. لقد اُخذ قرار في جلسة شارك فيها شاؤول أفيغور أيضا، وقيل في المحضر ان موافقة أفيغور كموافقة رئيس الحكومة. إذن اقاموا معسكر مهاجرين في القرية. وفي الأسابيع التالية، بحثوا عن مقاول تكون أسعاره تكون أرخص من أسعار شركة سوليل بونيه. وأقنعوا شركة ((هميكاشير)) للمواصلات بإفتتاح خط باصات الى المكان، كما أقنعوا وزير البريد بأن تربط المستعمرة بشبكة الهاتف. وطلبوا من رئيس البلدية، دانييل أوستر، المساهمة، بمد اُنبوب مياه سمكه 4 إنش. وفي مقابل معسكر المهاجرين، أسكنوا في القرية مستوطنين من بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا، أعضاء نواة كانت مرتبطة ببوعالي يسرائيل. وأقامت تعاونية كوبت حوليم الإستهلاكية فرعاً لها هناك، كما اُقيم كنيس. وأرسلت وزارة المعارف والثقافة تسأل عما إذا كانت هناك حاجة الى صفوف للتدريس. وحتي صيف سنة 1949، تمكنوا من حراثة 20 دونما من كروم الزيتون، وتسويق 300 صندوق خوخ قطفوها من أشجار القرية. وفي المقابل، بدأوا قطف العنب، وقامت مستعمرة جديدة هي غفعات شاؤول ب التي كانت قرية دير ياسن سابقاً. قبل ذلك بنحو 15 شهراً، هاجم رجال الأيتسل وليحي القرية وذبحوا نحو 250 [والحقيقة انه ذبح نحو 96] من سكانها البالغ عددهم 400 [والحقيقة انهم كانوا قرابة 600]، وبينهم نساء وأطفال. أما الباقي، فقد طردوا الى مدينة القدس القديمة بعد ان جالوا بهم في موكب بشوارع القدس الغربية. كانت المذبحة في دير ياسين مثل مذبحة اليهود في الخليل قبل ذلك بعشرين عام تقريبأ، منعطفا في تاريخ النزاع الأسرائيلي - العربي، ومن الرموز الشنيعة في كل الحروب. تحفظ في أحد مافات مكتب رئيس الحكومة المتعلقة بإسكان المهاجرين في (مناطق) زراعية، رسالة من مارتن بوبر وثلاثة مثقفين آخرين هم : أ. سيمون، ود. و. ننتور، وح. ي. روث، طالبوا فيها بعدم إسكان دير ياسين، أو على الأقل تأجيل إسكانها حتى تلتأم الجروح. وكتب الثلاثة: ((إننا نعي جيداً ضاءقة إخواننا المهاجرين الجدد، الذين وصلوا الى الوطن بعد أعوام كثيرة من التشرد والإقامة في مخيمات العزل ومعسكرات التجمع، وحتى هنا لايزالوا في العراء. علاوة على ذلك، نحن ندرك ونعلم أن حكومة إسرائيل ملزومة بالإهتمام بسكانها، وتنظيم حياتهم في إسرائيل، بكل ما تستطيع. لكن مع ذلك نعتقد أن دير ياسين ليست المكان الملائم أو على الأقل لم يحن الأوان بعد لإتخاذ قرار فيما يتعلق بإنشاء مستعمرة عبرية فيها. لقد أصبح إسم القرية ذائع السيط في العالم اليهودي، وفي العالم العربي، وفي العالم كله. لقد قتل في دير ياسين مئات الأشخاص، ونساء وأطفال وأبرياء. إن قضية دير ياسين وصمة سوداء في شرف الأمة العبرية. إن الحركة الصهيونية، وجيش الدفاع الأسرائيلي، وحكومتنا آنذاك (المجاس التنفيذي للوكالة اليهودية)، شعرت جميعا بذلك ،ادانت الجرية الرهيبة بتعبيرات لاتقبل التأويل. ((في حياة كل أمة ودولة هناك أعمال رمزية يجب الإمتناع عن القيام بها، وقيم ثقافية يجب المحافظة عليها، خاصة بالنسبة الى هذه الأمة الكبيرة والعريقة التي دولتها صغيرة وناشئة. إننا نأمل بأن يتكفل الزمن وأعمال الأخوة البناءة بتضميد ذلك الجرح البليغ الذي لم يلتئم بعد، كما لا تزال محفوظة في ذاكرتنا كارثة 13 نيسان/إبريل، عندما قُتل رجال القافلة (الصحية) على جبل المشارف (بعد نحو 24 ساعة من مذبحة دير ياسين). سيأتي الوقت الذي نتمكن فيه من التفكير في عملٍ ما في دير ياسين، عمل يرمز لطموح شعبنا العادل، والى الأخوة مع الشعب العربي. نحن نقترح منذ الآن عملاً كهذا. لكن في الأفضل أن تبقي أرض دير ياسين غير مزروعة، وأن تترك منازلها شاغرة، بدل من أن تدنس بعمل تفوق سلبياته إجابياته. إن إستيطان دير ياسين، الذي يخرج الى حيز التنفيذ بعد عام فقط منذ حدوث الجريمة، في إطار الإستيطان العادي، سينطوي على نوع من الموافقة، أو على الأقل التسليم بالقتل الجماعي آنذاك. فلتبق دير ياسين بلا إسكان مؤقتاً، وليشكل هجرها رمزاًً رهيباً ومأساويا للحرب، ونذيراً لشعبنا بأن أي عملية عسكرية لن تبرر أبداً أعمال قتل من هذا النوع إذ لا تريد الأمة الأستمتاع به)). لم يجب بن-غوريون على الرسالة. وقد أرسل بوبر وزملاؤه مُذكرة في أثر آخرى، وردّ سكريتير رئيس الحكومة بأنه مشغول الى حد أنه لا يستطيع إبداء رأيه في رسالتهم. بعد عدة أشهر طرح إسم القرية [دير ياسين] في الكنيست أيضاً. كان ذلك خلال نقاش بشأن قرار الحكومة السماح الى 100 ألف لاجىء بالعودة الى إسرائيل: يعقوب مريدور (عضو في حزب حيروت): لقد عرفت روسا كيف تحل مشكلة الألمان في منطقة الفولغا في وقت الحرب، التي سكنها 800 ألف ألماني .... لقد نقلت [روسيا] هؤلاء شرقاً، الى ما وراء جبال الأورال. إذا وقعت الجولة الثانية من الحرب، الى أين ننقل الطابور الخامس[ مشيراً لعرب 1948] هذا؟ هل سنتمكن من القيام بعمل كهذا وشاطئنا عرضه 15كلم؟ او نجبر على إخلاء تل أبيب لإرجاعهم ومراقبتهم.
توفيق طيبي (ماكي): أنت تعد لدير ياسين اُخرى!
مريدور: بفضل دير ياسين إنتصرنا سيدي!
أ. بن أليعازر (حيروت): لا تكن حزينا لهذا الحد.
أ. تسيزلينغ (مبام): لا تتباهى بدير ياسين.
أ رزيئيل ناؤور (حيروت): لا يوجد ما نخجل به....!
زلمان آران (ماباي): بصفتي عضو كنيسيت من واجبي أن أرد على عبارات الإعتراض التي قيلت هنا أمس من
مقاعد حيروت. كانت العبارة: نحن لا نخجل بدير ياسين.
أ. بن أليعازر: كم دير ياسين نفذتم أنتم؟
آران: لمصلحتكم اُريد القول أنني لا اصدق أنكم لا تخجلون مما حدث في دير ياسين.
بن أليعازر: يجب ألا تتباهوا بأمور فعلتموها بأنفسكم.
آران: لا أعرف أننا فعلنا في دير ياسينات.
بن أليعازر: يمكنك أن تسأل وزير الدفاع إذا كنت لا تعرف!
آران: .... لو تصورت أن دولة إسرائيل ستكون مُهيأة [لأمثال مذبحة] دير ياسين لما رغبت في أن أكون فيها عربياً فحسب، بل لما رغبت في أن أكون فيها يهودياً! تحفظ في ألأرشيف الصهيوني وأرشيف الدولة ملفات كثيرة تتعلق بإسكان غفعات شأؤول ب: أن الأسم السابق للقرية مذكور في هذه الملفات بين قوصين من دون أي خجل كما يبدو. حتى الصحافة كتبت تقارير عن إعادة إسكانها مجدداً، وكأنها كانت قرية ككل القرى: لقد إحتشد هناك بضع مئات من المدعوين الى إحتفال تدشين المستعمرة. كان بينهم الوزيران كابلان وشابيرا، بالإضافة الحاخامين الرئيسسن ورئيس البلدية. وقد بعث الرئيس حاييم وايزمن برسالة تهنئة، كما عزفت الفرقة الموسيقية لمعهد الضرير وقدمت التحية. لم يشعر الصحفيون بأي حرج عندما كتبوا تقارير عن إعادة إسكان 350 قرية متروكة. وتعكس التقارير إيماناً صلباً لا يتزعزع بحق الإستيطان وعدالته. ومما كتبته جريدة ((دافار)): ((... على وقع خطى جيش الدفاع الإسرائيل يحل [بالسكان العرب] رعب كبير، وإقتلاعهم من مكان الى مكان. وفي طريق المثلث هربوا على ظهور الحمير وحّملوا جمالهم بالأموال المنقولة. ... والآلاف (في [قرية] الجماسين -هي حي غفعات عامال)ساكنون جدد جاؤوا حديثاً عن طريق قبرص: فلول الحرب من معسكرات أوروبا .... حول طاولة، وبقايا الأثاث المتروك، وأرقام ....)). وكتبة صحيفة ((هآرتس)) : ((قسائم خضر خلابة تحيط اليوم ببيوت القرى المتروكة في أرجاء البلد المختلفة نتيجة نشاط وزارة الزراعة التي تساعد المهاجرين الجدد في إنشاء مزارع مساعدة ...)). ومما كتبه ((دافار هشفواع)) [ملحق صحيفة ((دافار))الأسبوعية] : ((... أنت لن تعرف عاقر الآن. ففي القرية المتروكة إستوطن ما يزيد عن 1000 لاجىء يهودي...)) ومثل هذا الكلام قيل عن الإستيطان في دير ياسين. وفيما بعد، نقل معسكر المهاجرين الى سلطة وزارة الصحة التي أقامت فيها مصحاً للمرضى النفسانيين. وقد أصبحت القرية التي إستوطنت، ضاحية من ضواحي القدس. وبين أكوام الورق، التي خلفتها تلك الأشهر، يوميات ورسائل وبرقيات ومذكرات وتقارير ومحاضر وتسجيلات صوتية وأناشيد وكتب ومقالات في الصحف وخطابات في الكنيست. ومن خلال الكلمات التي قالها الدكتور زيراح فيرهافتيغ، عضو الكنيست، خلال النقاش بشأن قانون أملاك الغائبين، تبرز هذه الأسطر كتعبير أصيل عن إحساس الكثيرين: (( من مثلنا؟ شعب فقير الأرض، شعب لم يكن يملك دونما من الأرض طوال سنين كثيرة، عرف ويعرف ويجب أن يعرف كيف يقدر هذه الأرض. إن كلمة إنسان هي من جذر الأرض. يقول حكماؤنا: كل إنسان لا أرض له، ليس إنسان. الآن فقط، إذ نملك دولة وأرضاً، يمكن أن نسما اُمة وناس)). ومع قدوم المهاجرين، وعلى الأخص من الدول العربية، تبلور في الصحافة الميل الى تصوير الهجرة كجزء من تبادل سكاني وتبادل أملاك. هؤلاء خرجوا وأولئك جاؤوا، وهم جميعا تركوا ما كان لهم في أماكنه. وقد سيطر القلق على صحيفة ((هآرتس)) من قلة البيوت المتوفرة كعادتها: ((نحن نقف على حافة أزمة خطرة بالنسبة الى الإستيعاب المهاجرين)). وحذرت الصحيفة: ((بعد شهر لن يكون في المناطق المتروكة مكان للإسكان)).