عاشقة فلسطین
عدد المساهمات : 734 تاريخ التسجيل : 30/05/2010 العمر : 43 الموقع : کل بلاد الاسلامیه موطنی و فلسطین فی قلبی
| موضوع: علاقة الإسلام بالغرب وأثرها على الدعوة الجمعة 17 سبتمبر 2010, 11:59 am | |
| مدخل إلى فلسفة العلاقات . محاولة لتفسير طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب:لما كانت العلاقة بين الإسلام والغرب شأنها شأن أي علاقة تحكمها قوانين، وتحركها آليات، يقتضي البحث أولاً الوقوف على ماهية تلك العلاقة وطبيعتها، وتحديد مكوناتها،والتعرف على الآليات الداخلية والخارجية التي تحكمها حتى ننجح في تطويرها، وتحسينها، من أجل بلوغ أقصى المقاصد التي نسعى إليها.والعلاقة في أبسط تعريف لها هي «الصلة التي تربط بين الموجودات، عاقلةً كالبشر، وغير عاقلة كالأشياء» وهذه، أي العلاقة، قد تكون لازمةً (لا تنفصم)، تقتضيها عادةً طبيعة الخلق كالأبوّة والبنوّة (في الكائنات العاقلة على وجه الخصوص، وإن كان يوجد لها بعض الآثار في الكائنات الحية غير العاقلة، وإن لم تكن مطّردة)، وقد تكون عارضةً غير لازمة شأن العلاقات العابرة بين الأفراد والجماعات المبنية غالباً على المصالح أو العواطف الإنسانية.والعلاقات التي هي من النمط الأخير تكون بين الأفراد، وبين الجماعات، وبين المنظومات . الفكرية، وعند الحديث عن العلاقة بين الإسلام والغرب فذلك يعني الروابط التي تنشأ بين الأفراد (المسلمين وغير المسلمين)، والتي تنشأ بين الجماعات (دولة مع دولة، مؤسسة مع مؤسسة، هيئة مع هيئة)، والتي تنشأ بين المنظومات الفكرية (دين مع دين، فلسفة مع فلسفة، أيديولوجيا مع أيديولوجيا).مفهوم (الغرب) في مقابل مفهوم (الإسلام):يلتبس مفهوم (الغرب) كثيراً على الأذهان. وليس بمقدور باحث في علاقة الإسلام بالغرب أن يستوعب طبيعة تلك العلاقة ما لم يقف على حقيقة هذا المفهوم.فـ (الغرب) الذي هو بنية متعددة الأشكال. ليست بنية عرقية Ethnic، ولا جغرافية فهو كتلة بشرية ذات تنوّع ثقافي، وسياسي، واقتصادي، وديني.وجعل (الغرب) في مقابل (الإسلام) ، أو (الإسلام) في مقابل (الغرب) هو شرك ايديولوجي ساهم في صناعته مؤسسات بحثية، ودوائر سياسية واستخباراتية، فضلاً عن الأنتلجنسيا الأورو - أمريكية. وقد شاع هذا التقابل واتسع مع ما فيه من خلل، حتى بات التخلص منه أمراً عسيراً.فجعل (الغرب) ببنيته المتعددة الأشكال في مقابل الإسلام فيه ظلم كبير للإسلام نفسه. وهذا بدوره يوسّع رقعة مواجهة مع الغرب، أو بعبارة أخرى وضع الإسلام (باعتباره ديناً) في مواجهة منظومات متعددة، سياسية، واقتصادية، وايديولوجية دفعة واحدة يضمها اسم واحد وهو (الغرب). والأصل في العلاقات أن تكون متجانسة، دين في مقابل دين، وفلسفة في مقابل فلسفة، وسياسة في مقابل سياسة، واقتصاد في مقابل اقتصاد، وهكذا ويبدو أنّ الذي شجّع على هذا التقابل غير المتجانس، طبيعة الاسلام نفسها. فهو ليس مجرّد عقيدة أو دين لا يتجاوز عقول الأفراد، ولا يخرج من دور العبادة شأن الديانات الأخرى، أو مجرد فلسفة حبيسة الكتب. بل هو عقيدة ينبثق عنها نظم. فله نظامه الأخلاقي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، وبذا لا بد أن يتواجه مع المجاميع الأخرى، دينية أو فكرية، في منظوماتها المختلفة.وحتى نتفهّم طبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام لا بد من تحديد مفهوم (الغرب) باعتباراته المختلفة فهو غرب بالاعتبارات الأيديولوجية، وغرب بالاعتبارات العقدية.الغرب الجغرافي:ليس المراد بالغرب الجغرافي غرب الاتجاه وهو المفهوم الشائع المقابل للشرق، لأن ذلك غير متحقق هنا، فالغرب شرق والشرق غرب. وإنما المراد توزّعه المكاني على رقعة كبيرة من المعمورة تستوعب ثلاث قارات من القارات الخمس. فالغرب الذي يواجه الإسلام هو: الولايات المتحدة، أوروبا، كندا، استراليا.الغرب السياسي:المرادبه التكتلات السياسية التي تجمعها مصالح واحدة يشدّ بعضها أزر الآخر في المحافل الدولية فتسيطر على المنظمات والهيئات العالمية لإصدار أحكام وقوانين تحقق مصالحها وتعينها على السيطرة على الآخر. ونرى ذلك جلياً في أكبر منظمة دولية وهي هيئة الأمم المتحدة بمكوناتها المختلفة من الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، وقانون حق النقض.الغرب الاقتصادي:تشكل أوروبا باتحادها الأوروبي قوّة مؤثرة، وكذا الولايات المتحدة بمنظوماتها الاقتصادية المختلفة وعلاقاتها بأوروبا، وباجتماع هذين الوحشين يمكن السيطرة على مصادر الطاقة، والانتاج، والتكنولوجيا ، والأسواق العالمية، والمصارف الدولية.الغرب الأيديولوجي:تحكم الغرب الآن أيديولوجيتان: العلمانية، والإلحاد. وكلتاهما تعملان بدأب لتحل محل الإسلام.الغرب الديني:تحكم الغرب الآن عقيدتان: اليهودية والمسيحية. وهما موظفتان بشكل كبير لمواجهة الإسلام. وفي نصف القرن الأخير نرى بوضوح حجم الجهود المادية والفكرية التي تقوم بها هاتان العقيدتان لتشويه الإسلام.وإذا تبيّن لنا كلّ ذلك، عرفنا حجم المواجهة والتحدي الذي يلقاه الإسلام من الغرب، وهذا يحمّل القائمين على الدعوة في بلاد الغرب أعباء ثقيلةً، ومسؤوليات جساماً.مفهوم الإسلام:نحن في حاجة ماسة اليوم لتحديد مفهوم الإسلام لمعرفة طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب، بقدر حاجتنا إلى تحديد مفهوم (الغرب) . ولقد نجح الغرب إلى حدّ بعيد، مع عدد لا يستهان به من المفكرين العرب والمسلمين، في بلبلة مفهوم (الإسلام) وجعل الاسم (إسلامان). وقد ساهم المسلمون انفسهم (أفرادا، وجماعات، ومؤسسات) للأسف في الترويج لمثل هذه المفاهيم، وهي، بلا ريب، مفاهيم سلبية تؤثر على صورة الإسلام الصحيحة. فـ (الإسلام المسلح)، و(الإسلام الأصولي)، و(الإسلام الراديكالي)، و(الإسلام السياسي)، و(الإسلام الشعبي)، و(إسلام النخبة)، و(الإسلام السلفي)، و(الإسلام الجديد)، و(الإسلام التاريخي)، و(الإسلام السني)، و(الإسلام الشيعي)، وهكذا. بل بدأنا نسمع في العقود الأخيرة عما يسميه أمثال محمد أركون بـ (الإسلام الأرثوذكسي) ، وكأن الإسلام أصبح ذا سمت كنسي لاهوتي فيه كاثوليك، وبروتستانت، وارثوذكس، وهذه المفاهيم السلبية وما صاحبها من صور سيئة للإسلام والمسلمين عمل الغرب بترسانته الإعلامية الجهنمية على ترسيخها في أشكال نمطية رديئة أثرت وستظل تؤثر على أنشطة الدعوة المختلفة. ومنوط بنا تحرير المفهوم الصحيح للإسلام مما تلبّس به من أوصاف ونعوت، وقصر ذلك المفهوم على صورة الإسلام كما نزل على محمد نقياً صافياً خالياً من المعاني المذهبية التي تقلل من حجمه، وتقلل من صفته العالمية.مفهوم الدعوة:أولاً: مفهوم الدعوة عند الغربيين:ليس للفظة (الدعوة) ما يكافئها تماماً في اللغات الغربية، ولذلك تترجم في الإنجليزية بالنداء Call أو الإعلان Announcement أو الوعظ Preaching وكثيراً ما تترجم في لغة اللاهوت بالتبشير Mission وقد يبدو مصطلح التبشير أقرب إلى مصطلح (الدعوة) لارتباطه بالأمور الدينية على خلاف الألفاظ الأخرى. ولكنَّ المسلمين مطالبون بمخالفة أهل الكتاب في المصطلحات التي قد تحمل في تضاعيفها ظلالاً غير إسلامية، ولذلك قال الله تعالى في كتابه: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا(([1]). ومصطلح الدعوة قرآني، لقوله تعالى: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي(([2]). ولقوله تعالى: ) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ(([3]).وفي العقود الأخيرة سعى الغرب بكلّ مؤسساته لوصف الأنشطة الدعوية الإسلامية بنعوت مشينة تقرأها في عناوين مئات الكتب التي تصدر عن دور نشر أمريكية وأوروبية، من أجل ترسيخ صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين تحول دون تقدم الدعوة ونجاحها في المجتمعات الغربية بإشاعة نوع من الرُّهاب الإسلامي (إسلاموفوبيا)، مثل: الإسلام المسلحMilitant Islam ، وحوش محمد Muhammads Monsters ، القنبلة الإسلامية Islamic bomb، الإسلام المتطرف Radical Islam، الإسلام والإرهاب Islam and Terrorist ، محمد نبي الشر Muhammad Prophet of Doom سيف النبي The Sword of the Prohet ، الغزو الإسلامي: مواجهة أسرع الأديان انتشاراً Islamic lnvasion: Confronting the Worlds Fastest Growing ، بينما تغفو أوروبا يسعى الإسلام المتطرف لتهديم الغرب من الداخل While Europe Slept, How Radical Islam is destroying the West from within? الكراهية الأبدية: جذور الجهاد The Everlasting Hatred the roots of jihad ونظرة الغرب إلى الدعوة إلى الإسلام هي عينها النظرة إلى الإسلام نفسه، فهي دعوة إلى تخريب المجتمع الغربي من الداخل، والاعتداء على قيمه الأخلاقية، وهو ما كانتتصرح به المنابر السياسية على ألسنة أعلى مستويات السلطة فيها، التي ما برحت تعلن «لن نسمح بالاعتداء على قيم مجتمعنا الغربي». تلك القيم التي تبدأ من الديموقراطية والحريات العامة، وتنتهي بالحريات الخاصة مثل الشذوذ وإباحة زواج المثليين.وهناك ثلاثة أنماط من توصيف العلاقة بين الإسلام والغرب اليوم: علاقة مواجهة وعدم توافق incompatibility and Confrontation علاقة توافق وانسجام Compatibitity and coexistence علاقة تقارب وتصالح Convergence and Reconcilitationوالنمط الأوّل هو نتاج للعلاقة الريبية بين الطرفين التي ساهم في صناعتها بالدرجة الأولى الخطاب البارانوئي (جنون الارتياب والعظمة) Paranoiac Discourse للغرب، والذي ولد بدوره ما يُعرف بنظريات المؤامرة عند المسلمين conspiracy. وهذا الضرب من العلاقة هو الضرب السائد والمسيطر، إنه بعبارة اخرى نوع من الثقافة المهيمنة Dominant culture.وعندما تتحوّل الثقافة المهيمنة إلى ثقافة عامة تتغلغل في كل بنى المجتمع وتكويناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية يصعب تخليص العقول مما أصابها بسبب ذلك من أوهام وأخطاء. وهذا النمط من العلاقة سيفضي في نهاية المطاف إلى صدام الحضارات الذي يدعو إليه مفكرو هذه المدرسة ومنظروها. وبذا فالدعوة إلى الإسلام هي دعوة إلى أيديولوجيا منغلقة يقودها العنف، وعدم التسامح، واللاعقلانية. وهذا، بلا ريب، إسقاط سلبي ينحدر من ثقافة القرون الوسطى التي يغلب عليها المفاهيم الخرافية حول الإسلام.والنمط الثاني من العلاقة وهو التوافق والانسجام، لا يرى أن النزعة الإحيائية Revivalismللإسلام تشكّل خطراً على الغرب ولا على قيمه. لأنّ ما يسمونه بالقيم الغربية ليست قيماً مطلقة، بل إنّ منها ما لا يعد من القيم أصلاً، بل عدّها من القيم إهدار للقيم الحقيقية نفسها في المجتمع الغربي. فالعري، وزواج المثليين، والقمار، والمراهنات، والنصب والاحتيال، والكذب، والاغتصاب، وتشريع الاعتداء على حقوق الآخرين تحت تبريرات سخيفة، كلّ ذلك ليس من القيم في شيء. ولقد لعبت الفلسفة البراغماتية في الولايات المتحدة لترويج مفهوم نسبية القيم، حيث لم يعد في الثقافة الغربية عموماً، والثقافة الأمريكية خصوصاً قيم مطلقة، فالصدق، والإخلاص، والشرف، والفضيلة، والشجاعة، والحق، والخير لم تعد قيماً مطلقة، فقد يصبح الكذب، والخيانة، والجبن، والظلم، والشر قيماً جديدة لا ينبغي للمرء أن يستحي منها. ولذلك فإنّ فضح هذه الأكاذيب وتعريتها بالبحث عن القواسم المشتركة بين الإسلام والغرب أمر مهم، وفلسفة التوافق وسياسة العيش المشترك، هي الخطاب البديل الذي يجنب العالم حروباً مدمّرة في رأي أنصار هذا الاتجاه ودعاته. وهذا الصوت بدأ يعلو نسبياً بعد تورط الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا في خوض غمار حروب مدمرة ضد بلدان إسلامية في أفغانستان، والعراق، والصومال، وبشكل غير مباشر في لبنان، وغزة، حيث بدأنا نقرأ شعارات جديدة مثل حوار الحضارات، والتعايش السلمي، وبدأنا نسمع عن مراكز بحوث للحوار أكثر جديّة وموضوعية من مراكز بحوث الشرق أوسطية التي يمولها البنتاغون، ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، ووزارة الخارجية الأمريكية.والنمط الثالث من العلاقة (التقارب والتصالح)، يرى أصحابه ان الغرب يمكن أن يستفيد من الإسلام في تجربته الطويلة عبر القرون الماضية فيما يتصل بالتعددية الثقافية، كما يمكن أن يستفيد الإسلام من التعددية السياسية. وإذا كانت النزعة الفردية للغرب Western individuslism تسعى لتحقيق السعادة الدائمة للفرد، فإنه من حق الجماعة أن تنال تلك السعادة. بصرف النظر عن تلك الجماعة، ومن أين تنحدر. والتقارب والتصالح لا يعني بالضرورة تنازل أحد الطرفين عن قيمه ومبادئه للآخر. واختلاف الأمم والشعوب انثروبولوجياً كاختلافهم ثقافياً وعقدياً | |
|
عاشقة فلسطین
عدد المساهمات : 734 تاريخ التسجيل : 30/05/2010 العمر : 43 الموقع : کل بلاد الاسلامیه موطنی و فلسطین فی قلبی
| موضوع: رد: علاقة الإسلام بالغرب وأثرها على الدعوة الجمعة 17 سبتمبر 2010, 12:26 pm | |
| ثانياً: مفهوم الدعوة عند المسلمين:الدعوة إلى الله عند المسلمين، ولا سيما القاطنين في بلاد الغرب، تحتاج إلى تحرير مفهومها مما يكتنفه من خلط، قد يفضي إلى غير مقصود الدعوة. فهل الدعوة إلى الإسلام هي تحويل غير المسلمين إلى الإسلام فلا يختلف هدفها عن هدف التبشير؟ أم أن مفهوم الدعوة أبعد من ذلك وأشمل؟ أم أنّ الدعوة إلى الإسلام هي إعلان الجهاد؟ الجهاد وسيلة من وسائل الدعوة وليس غايةً. والغاية هي تبليغ رسالة الله بالدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، وإقامة الدين على وجهه الأكمل والأتم، وعدم الاختلاف والفرقة فيه.يقول الله تعالى في محكم التنزيل:)شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ( ([4]).)فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ( ([5]).)فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ( ([6]).)فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ( ([7]).)قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ( ([8]).والدارس لأحوال الدعوة في أوروبا، وأمريكا، واستراليا يسوءه أن يرى شيئاً من الانحراف في مفهوم الدعوة الذي أشرنا إليه. فقلما يخلو منتدى، أو مركز، أو مسجد إسلامي في مدينة، أو ضاحية من تلك البلدان إلا وقد بذرت فيها بذور الفرقة والشقاق، وسيطرت التوجهات الحزبية والسياسية على عمل الدعاة فيها. ومن الواضح جليّاً أن أكثر القائمين على تلك المراكز هم موظفون ينفذون مخططات سياسة بلدانهم ولا يعملون من أجل الإسلام. وقد وجد الغرب في هذا السلوك مادة خصبة للتهكم والاستخفاف بالإسلام والمسلمين.ولما كان العمل الدعوي ليس مقصوراً على الجماعات، فإن الأفراد وآحاد الناس منوط بهم القيام بهذا الواجب متى اكتملت لهم عدتهم من الفهم السليم، والوسائل الصحيحة المناسبة. غير أن المشتغلين من هؤلاء في حقل الدعوة ليسوا على قدر واحد من الاستعداد والتأهيل. فمنهم من هم من طبقة الوعّاظ وليسوا من أهل الدعوة، ومنهم من هم دون ذلك بكثير، وليس لهم من تأهيل إلا ثقافة محدودة سعوا للحصول عليها بأنفسهم. وهذا الضرب الأخير قد يسيء إلى الدعوة من حيث يحسب أنه يحسن صنعاً. والفرق كبير بين الواعظ والداعية. فالواعظ يقوم بتقديم وعظه وإرشاده ثم ينصرف إلى شأنه، ولا يعنيه بعد ذلك من أمر المتلقي شيئاً، شأن وعّاظ المساجد في الجمعات والمناسبات الدينية، فضلاً عن أن خطابه تقليدي يملّ منه السامع لكثرة سماعه إياه حتى بات ثقيلاً على الآذان. بينما الداعية لا يكتفي بخطابه الإرشادي، بل يتابعه في المتلقين ، ليقف على أثره في سلوكهم.والدعوة في بلاد الغرب تحولت إلى وعظ في الأقليات المسلمة، وهذا ليس من الدعوة في شيء، وإن كان مهما لتربية المسلمين وإنقاذهم من الانحراف، واستئناف الحياة الإسلامية فيهم إذا كانت معطّلة، لأن الأصل في الدعوة أن تكون في غير المسلمين.لذا ينبغي تقويم الدعوة، مفهوماً وعملاً، والسعي من أجل تضييق الهوة بين سلوك المسلمين الذي قد لا يمتّ إلى الإسلام بصلة. ولعله من الظلم والتجنّي ربط الإسلام بسلوك بعض المسلمين المتخلف. وربط هذا بذاك دعاية سيئة ضد الإسلام يساهم فيها المسلمون أنفسهم.اثر العلاقة بين الإسلام والغرب على مسار الدعوة:يقول تيموثي سافيج Timoty Savage القنصل العام للولايات المتحدة بمدينة لايبزغ بألمانيا ([9]) في دراسته المنشورة في مجلة Washington Quarterly، وهي دراسة تكمن قيمتها العلمية في مصادر المعلومات التي استقى منها الباحث معلوماته وإحصائياته، وهي مصادر قد لا تكون في متناول الباحثين:«إنّ التنبؤات المتحفظة تتوقّع أن يشكّل المسلمون نسبة 20% من سكان أوروبا بحلول العام 2050، مقارنة بنسبة 5% حالياً. والبعض يتنبأ بأن ربع عدد سكان فرنسا سيكون من المسلمين بحلول العام 2050م. وإذا استمرت هذه التوجهات فإن عدد المسلمين سيتجاوز غير المسلمين في فرنسا، وربما في أوربا ككل، بحلول منتصف القرن الحالي. وعلى الرغم من أن هذه التنبؤات قد تبدو للوهلة الأولى مهولة، ولا يمكن تصديقها؛ فإنها قد لا تكون بعيدة عن الواقع».وهناك دراسات عديدة نشرت حول هذا الموضوع مؤخراً تجري في السياق نفسه، تتحدث عن هاجسين استبدا بالغرب: ظاهرة تزايد عدد المهتدين إلى الإسلام. ظاهرة تنامي عدد المسلمين في المجتمعات الغربية بالتوالد الطبيعي.وهاتان الظاهرتان المعلنتان، وغيرهما من الظواهر غير المعلنة، مثل: إفلاس الحضارة الغربية المادية، وتزايد الانهيارات الاقتصادية في العالم التي تكسر العمود الفقري للتفوق الغربي، تفسّر جميعها حملات التحريض المنظمة ضد المسلمين. وهذا يشبه تماماً ما أطلقت عليه الإدارة الأمريكية اسم الحرب الاستباقية.والحكم على الدعوة إلى الإسلام في بلاد الغرب، سلباً أو إيجاباً، والوقوف على تأثير العلاقة بين الإسلام والغرب عليها يخضع لمعايير منهجية، ولا يخضع ألبتة لحكم الوجدان والعواطف. ومن المؤسف ان بلداننا العربية والإسلامية تفتقر لمراكز بحوث ورصد تتقصى أحوال الإسلام والمسلمين في بلاد الغرب، وإن وجدت فهي محدودة القدرات والمقاصد.المظاهر الإيجابية في علاقة الإسلام بالغرب وأثرها على الدعوة:كثير من المسائل السلبية في الظاهر يمكن جعلها إيجابية بالمثل السائر «ربّ ضارّة نافعة» أو «مصائب قوم عند قوم فوائد».1 -التدهور الاقتصادي في العالم:الزلزال الاقتصادي الذي بدأ يعصف بالعالم الغربي سيغير كثيراً من المعادلات التي كانت تحكم العالم. فالغرب بات عاجزا إلى حد ما عن مواجهة مشاكله الاقتصادية، وأصبح يستجدي الحلول من عوالم كان يتغول عليها قبل أيام. ومن المؤسف أن العالَم العربي والإسلامي لم يرق بعد لاستثمار هذا الواقع الجديد لمصلحته، فقد اعتاد أن يقدّم العونَ إلى أعدائه وخصومه بلا ثمن، وهو نزق سياسي وعبث يدل على قصور في فهم اللعبة السياسية. فالغرب اليوم يلهث وراء عالم النفط العربي لحل مشاكله، وجدير بنا أن نشارك في صياغة معادلة جديدة في التعامل مع الغرب. وهذا أيضاً سيؤثر في واقع الدعوة الإسلامية لأنه سيجد نفسه مرغماً على الحوار مع المسلمين بسبب انكساره المادي، ولأنه بسبب تفكيره البراغماتي (النفعي) لا يرى غضاضة في التعامل مع أي كان، ثم إنّ هذا سيخفف من تضييقه على المسلمين والدعوة إلى الإسلام، بشرط أن يحسن المسلمون والعرب استثمار الأحداث لمصلحتهم. والانهيار الاقتصادي المذهل الذي نراه اليوم والذي يتسبب في إفلاس مؤسسات عالمية ضخمة كانت تسيطر على السياسة الاقتصادية العالمية دفع المنظرين في المجال الاقتصادي إلى البحث عن فلسفة اقتصاد جديدة، وربما لأول مرة نسمع عن فكرة مصارف لا ربوية تصدر من غير المسلمين، وهذه نتيجة تصب في صالح الإسلام.2 -المغامرات السياسية (الحربية) ضد العالم الإسلامي:لقد تورّط الغرب (أمريكا وأوروبا) في مغامرات حربية غير محسوبة بدقّة ضد العالم العربي والإسلامي (أفغانستان، العراق، السودان، الصومال) عادت عليه بأثر سلبي، محدثة شرخاً هائلاً في العلاقات بين هذه الشعوب، ولّد وسيولّد إلى مدى بعيد قدراً كبيراً من الضغينة والكراهية. وفضلاً عن ذلك فضحت هذه الحروب مزاعم الغرب في الدعوة إلى الحريات، والديموقراطية، وعرّت قيمه المزعومة.3 -المصالحة مع العالم الإسلامي:رأينا في موضع سابق من هذه الرسالة أنّ الغرب أخذ يسعى في الآونة الأخيرة لرأب الصدع مع العالمين الإسلامي والعربي تحت خطابات متنوعة مثل: المصالحة، العيش المشترك، احترام الآخر، وهي في الحقيقة خطابات ترتبط بالمصالح أكثر من ارتباطها بالمصلحة. وهي مع ذلك فرصة يمكن توظيفها لمصلحة الدعوة في بلاد الغرب.4 -تزايد عدد المسلمين في العالم:تزايد عدد المسلمين في الغرب (أوروبا، أمريكا، استراليا) سمة إيجابية، ولكنها أيضاً يمكن أن تكون سلبية، لأن العبرة ليست بالكثرة، وإنما بالنوع ودرجة التأثير في المجتمعات. ومن المؤسف له أن الدراسات التي أجريت على الأقليات المسلمة في بلاد الغرب تظهر أنها أكثر الأقليات تخلفاً وفقراً، والأقل تعليماً، والأكثر سجناء. ولما كان أكثر المسلمين في بلاد الغرب هم من المهاجرين، وهم من العاطلين عن العمل، وكثير منهم ليس له التزام عملي بالإسلام ، فهذا يؤثر سلباً على الدعوة، لأنّ هذه الشريحة تسيء إلى الإسلام بسلوكها المشين الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة.5 -تزايد عدد المهتدين إلى الإسلام:ارتفاع عدد المهتدين إلى الإسلام ظاهرة جديرة بالدراسة، وأن يتحول إنسان من عقيدته إلى عقيدة أخرى ليس أمراً هيّناً. والأرقام التي نسمعها من بعض الدوائر الإعلامية، الإسلامية والغربية، على حد سواء قد يكتنفها شيء من المبالغة، وحتى إذا اعتبرنا نسبة المبالغة عالية جدا تظل أعداد الداخلين إلى الإسلام كبيرة.6 -اتساع وسائل الاتصالات توسيع لرقعة الخطاب:انتشار وسائل الاتصالات وتطورها جعل العالم قرية اليكترونية صغيرة، فلم يعد بمقدور أحد أن يحجب الحقائق أو يشوه الوقائع كما كان يحدث منذ عهود.لم يعد من السهل وصف المسلمين بأنهم قتلة، مجرمون، مصاصو دماء، متوحشون، يتطهرون بالنجاسة، وأن نبي الإسلام مخادع ، مهووس، وشهواني. تلك الصور المشينة القديمة، حينما تستخدم اليوم في مواجهة الإسلام تدل على حالة الإفلاس الفكري الذي يعاني منه الغرب، ولم تعد تنطلي على أحد إلا عند من تشرّب تلك الثقافة، لأن المتلقي صار أكثر قرباً وفهماً. وكل هذا يجري أيضاً في مصلحة الدعوة. وينبغي على القائمين على الدعوة الانتفاع بهذه الوسائل الحديثة لتصحيح المفاهيم عن الإسلام.7 -انتشار المساجد والمراكز الثقافية والدعوية في الغرب:انتشار المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية في الغرب في العقود الأخيرة يشير إلى نجاح في حقل الدعوة، وهي من المنابر الفعالة والحيوية للدعاة للحفاظ على هوية المسلمين داخل تلك المجتمعات التي تسعى حكوماتها، بعد إقرارها بأن وجود الإسلام والمسلمين بات أمراً واقعا، إلى تذويب تلك الهوية وصهرها داخل بوتقة المجتمع الغربي. والمراكز الثقافية الإسلامية في الغرب منوط بها واجب أكبر من واجبات المساجد التي يقتصر دورها على خدمة المسلمين وتوعيتهم.8 - ازدياد عدد مراكز الحوار الإسلامي ــ المسيحي:مراكز الحوار الإسلامي - المسيحي ظاهرة إيجابية وليست سلبية كما قد يظن بعض الدعاة لمظنة أنها أسست للترويج للفكر المسيحي. نحن لا ننكر أن المسيحية لا تنطلق في هذا الحوار من أجل التقارب المحض بين الديانات، ولكن لها برنامجها الخاص، غير أن هذا لا يمنع من الحوار، فكما للمسلمين هدف وراء ذلك فللمسيحيين هدف أيضاً. والامتناع عن المحاورة يعطي انطباعاً بأن العقيدة الإسلامية بما تحمله من فكر وثقافة عاجزة عن المواجهة، وهذا بلا ريب انطباع سيّئ.وإذا كان الغرب اليوم، بمؤسساته الكنسية، يسعى إلى الحوار فهذا إيجابي إلى حد بعيد قياسا بالامتناع عن ذلك في العهد البعيد. كما ينبغي على المنظمات الإسلامية متابعة نشاطات هذه المراكز الحوارية سواء التي يمولها مسلمون أو مسيحيون أو يشترك الطرفان في تمويلها، من أجل استثمارها بشكل عملي مفيد، ولا تظل مجرد حوار من أجل الحوار .9 -تزايد عدد المؤتمرات الدولية حول الحوار والتفاعل الحضاري:المؤتمرات الدولية حول الحوار بين الثقافات ظاهرة إيجابية، لأنها تضم تجمعات فكرية وثقافية متنوعة من جميع أرجاء العالم، وهذه فرص لا تفوّت لعرض مفاهيم الإسلام في التسامح والتعايش والمحافظة على القيم الأخلاقية، التي باتت المجتمعات الغربية تحس بخطورة غيابها بسبب انتشار فلسفات منحرفة تعمل على تدمير القيم الأخلاقية المشتركة بين الأمم والشعوب على اختلاف دياناتهم.المظاهر السلبية في علاقة الإسلام بالغرب وأثرها على الدعوة:1 - الصورة النمطية للمسلمين والإسلام:الصورة النمطية للإسلام والمسلمين من أكبر التحديات التي نواجهها اليوم. وهذه تقلل من حركة الدعوة وانطلاقها. وهي صورة قديمة متجددة. فيها كثير من التجني والمبالغة. وربما ساهم المسلمون أنفسهم في الترويج لهذه الصورة، ولا سيما من أولئك الذين ليس لهم التزام ديني. فصورة المسلم الفوضوي، السكير، العربيد، البدين، المنتفخ بالأموال، هي أوّل انطباع يرتسم في ذهن الغربي، وهذه صورة ساهم المسلمون أنفسهم في رسمها في الوقت الراهن، ومن يتجوّل في بعض الطرقات والأحياء المكتظة بالعرب والمسلمين في أوروبا لا تفوته هذه الصورة للأسف، بل قد يعجب المرء أن يرى عربيات منقّبات يدخنّ النارجيلة في مقاهي Edgware Road بلندن، والأنكى أنهن يتعاطين ذلك عند أبواب تلك المقاهي بسبب منع التدخين خلف الأبواب بموجب التشريعات الجديدة. والصحافة والتلفزيون الإنجليزي يلهث وراء ذلك ليلتقط لهن صورا ليعرضها فيما بعد في برامج وثائقية. والمحزن أن أكثر المتلبسين بهذه الصورة المشينة هم من العرب الأثرياء الذين لا يقيمون وزناً لا للقيم الدينية، ولا حتى للأعراف الاجتماعية لبلدانهم. ولا يمكن إزالة هذه الصورة البغيظة عن المسلمين بأي وسيلة ما لم يرتق سلوك المسلمين أنفسهم إلى مستوى الخلق الإسلامي الرفيع.2 - حالة الانحطاط السياسي/ الاقتصادي/ الأخلاقي التي يعاني منها المسلمون اليوم:إن أكثر المجتمعات معاناة في العالم هي المجتمعات الإسلامية، فهي الأكثر فقراً، وجهلا، ومرضاً، وعطشاً، وجوعاً، فضلاً عن أنواع أخرى من القهر السياسي بسبب ما تعانيه من الاستبداد، والتدني الخلقي بسبب تدهور الحياة الاقتصادية فيها، والابتعاد عن القيم الدينية.وكل هذا من المعوقات التي تنعكس سلباً على واقع الدعوة والدعاة في بلاد الغرب.والمسلمون، للأسف الشديد، يهاجرون إلى بلاد الغرب وهم يحملون على كاهلهم عبء ما ورثوه من واقعهم المعيشي في بلدانهم الأصلية، وقلما يتحررون من ذلك الواقع. وليس ثمة ما هو أسوأ من التحايل على سكن وإعانة مالية له ولأفراد أسرته باعتبار أنه لا وظيفة له يرتزق منها، إلى طلاق زوجته، ثم يتقدم إلى المؤسسات الاجتماعية في تلك البلاد ليحصل على سكن آخر ومعونة أخرى له، ثم يعود بعد ذلك إلى زوجته باعتبار أن طلاقه لم يكن طلاقا شرعياً، وإنما كان مدنياً لا تأثير شرعياً له جيء به من أجل المصلحة. وبذلك تملّك بعضهم عدداً من العقارات السكنية وشرعوا يؤجرونها لغيرهم من الباطن. ولما اكتشفت حكومات تلك البلدان أخذت تضيّق على المسلمين المهاجرين في تلك المسائل. ومع ذلك لم ينقطع التحايل. وهذه سقطة أخلاقية لا ريب. وحتى تتجاوز الدعوة في بلاد الغرب انعكاس تلك الاخلاقيات المنحطّة يجب النهوض بالمستوى العلمي والالتزام الديني عند الناس في بلدانهم الأمّ قبل انتقالهم بالهجرة الدائمة أو المؤقتة إلى البلدان الغربية الجديدة، فلا يحملون معهم إلا الخلق الحسن، وينبذون وراء ظهورهم كلّ سلوك مريب.3 - التعامل العاطفي مع الحوادث المستفزة (الصور الكرتونية، والأفلام المسيئة):أدرك الغرب أن المسلمين والعرب على حدّ سواء تحكمهم العواطف وبذا يسهل استفزازهم ودفعهم إلى مواقف كثيراً ما يوظفها الغرب لمصلحته. وإثارة المشاعر الدينية وشحن العواطف الإسلامية من حين إلى آخر بات واضحاً. فمن (آيات شيطانية) لسلمان رشدي، إلى الرسومات الكرتونية المسيئة للنبي(ص) وانتهاء بشريط (فتنة) للهولندي غيرت فلدرز Geert Wilders.فالغرب يسعى من حين إلى آخر من خلال مؤسسات متطرفة عنصرية إلى تفجير قنابل إعلامية هنا وهناك لإثارة حفيظة المسلمين الذين سينفعلون قطعا مع الوقائع، فتتحول مظاهرات الاستنكار إلى نوع من الشغب، وهذا ما يسعى إليه أعداء الإسلام حتى يؤكدوا لغير المسلمين أن المسلمين شعوب متخلفة غير حضارية، أعداء حرية الرأي. وكثيراً ما يبتلع المسلمون الطعم، فيتحول المجني عليه إلى جان، وهو الأسلوب الذي اعتاد الغرب أن يتعامل به مع قضايا المسلمين. البحث عن خطأ وتضخيمه إعلامياً. وإذا علمنا أن الرأي العام الغربي رهين المؤسسات الإعلامية الجبارة، وأنه يشكل بحسب الاعتبارات التي يراها القائمون على تلك المؤسسات.4 - تجميد الحسابات المصرفية لمؤسسات دعوية والتضييقعلى منظمات الإغاثة الإسلامية:تحت عنوان (تجفيف منابع الإرهاب) يضيّق الغرب على الدعوة والدعاة، بل يتعدى ذلك إلى خنق الأعمال الخيرية الإسلامية بحجة أنها تموّل الإرهابيين. وقد سارت تلك العملية في ثلاثة اتجاهات:1 - تجميد الحسابات المصرفية لمنظمات دعوية ومؤسسات إغاثة بالتنسيق مع مصارف دولية وضعت كلّ المعلومات المصرفية التي بحوزتها، والتي تخص عملاءها تحت تصرّف الحكومات الأمريكية والأوروبية بالرغم من زعم تلك المصارف المحافظة على سرية تلك الحسابات. وكلّ ذلك يجري تحت مسمى (محاربة الإرهاب). وليس لأحد أن يعترض حتى لو تبيّن له أن تلك الإجراءات كانت كيدية. ومقاضاة تلك الحكومات تستلزم إنفاق أموال هائلة ربما تجاوزت ما جمد من أموال، فضلاً عن استغراق سنوات في ذلك، الأمر الذي يجعل أصحاب تلك الحسابات يزهدون فيها.2 - إدراج أسماء مؤسسات دعوية وخيرية في قوائم المؤسسات المشبوهة Organization Suspected Islamic بحجة أنها متورطة في أعمال إرهابية ولو بشكل غير مباشر من قبيل تمويل المنظمات الإرهابية في نظرهم، مما عطّل أنشطتها الدعوية. وثمة قائمة منشورة بأسماء تلك المؤسسات في موقع وزارة الخزانة الأمريكية US Treasury Department .وقد شكّل تجميد حساب جمعية القلوب الرحيمة Kind Hearts الخيرية فضيحة للحكومة الأمريكية عندما أصدر القاضي الفيدرالي جيمس كار James Carr قرارا بمنع الحكومة الأميركية من وضع منظمة (القلوب الرحيمة) الخيرية الإسلامية في الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب، وذلك استجابة لطلب مقدم من منظمات حقوقية أميركية كبرى معارضة لوصم المنظمات الخيرية بالإرهاب اعتماداً على أدلة سرية. هذا وجاء حكم القاضي الأميركي جيمس كار كذلك بعدم المراجعة القضائية للقرار استجابةً لطلب مقدم من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، وهو أكبر منظمة حقوقية أميركية، وعدد من المحامين المعنيين بحقوق الإنسان، نيابة عن منظمة «القلوب الرحيمة».3 - بعد التضييق على المؤسسات الخيرية ومنظمات الإغاثة الدولية وتقليص أنشطتها في بؤر الصراع مثل: أفغانستان، الصومال، فلسطين، السودان، فتحت الأبواب على مصاريعها أمام منظمات إغاثة أخرى تعمل على تنصير المسلمين بلقمة العيش والدواء تتولاها مؤسسات كنسية تحت رعاية منظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر الدولي.وفي سبيل دعم عمليات التنصير في أفغانستان مثلاً، سهل الاحتلال الأمريكي توافد ما يقرب من ألف هيئة ومنظمة أوروبية وأمريكية تعمل تحت أسماء مختلفة في مجال التعليم، ومحو الأمية، والصحة، والتغذية، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة. وفي المقابل التضييق على جمعيات الإغاثة الإسلامية ووصمها بالإرهاب لترويع العاملين فيها في ظلّ صمت مطبق من الحكومات العربية والإسلامية.وقد كشفت فضيحة اعتراف تعاون لجنة الإنقاذ الدولية International Rescue Committee مع المحكمة الجنائية الدولية لتوريط السودان مدى تورّط هذه المؤسسات التي تزعم أنها منظمات مستقلة غير حكومية NGO في أعمال السياسة والتنصير.5 - تقديم إسلام بديل: القاديانية ، والبهائية:يسعى الغرب اليوم إلى تشجيع الملل الفاسدة، والإغداق عليها ليقدمها بديلاً عن الإسلام، ومن تلك: القاديانية، والبهائية ربيبتا الاستعمار. والمشكلة أنها لا تقدّم على أنها دين مستقل، بل تُقدم على أنها الإسلام الصحيح الذي ينبغي التعامل معه. والوثائق التاريخية ومنها شهادات مكتوبة في مصادر هاتين الطائفتين تثبت ارتباطهما بالاستعمار في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وليس هذا البحث لمناقشة أصول هاتين النحلتين، ولكننا نود أن نذكر بأن وجودهما في بلاد الغرب أكثر من وجودهما المتخفي في بلاد المسلمين، مع التمكين لهما وتقديم كل السبل التي تعينهما على الانتشار، يشكّل عائقا للدعوة لأنه يربك عقول الغربيين فلا يعرفون أيّ إسلام يتبعون. ويكفي دليلاً على دعم أمريكا وأوروبا واستراليا لهاتين النحلتين أنه لم يرد أبدا ذكرهم بما يسيء اليهم، ولن تجد أحدا من أفرادها، أو جمعية من جمعياتها قد حوصرت مصرفياً أو قضائياً، مما يشعر بأنهما تحت الحماية. وقد استغلت هاتان النحلتان، ولا سيما القاديانية منهما، في محاربة مفهوم الجهاد في بلاد الهند وكان ميرزا غلام أحمد يصدر فتاوى تستنكر الجهاد وتعد محاربة الإنجليز معصية يعاقب عليها الله. وفي مراسلات ميرزا غلام أحمد القادياني معاتبات للحكومة الإنجليزية لأنها أوقفت عليه عطاءها، فيذكرها بأعماله في خدمة التاج البريطاني.6 - الحملات ضد بناء المساجد في أوروبا:تتعرّض المساجد في أوروبا لحملات تهديد، وتخريب بشكل متواصل، ومع تزايد بناء المساجد ترتفع أصوات المستنكرين . وقد جاء في تقرير نقلته صحيفة أمريكا اليوم USA Today بتاريخ 17/7/2008 عن صحيفة Spiegel Online جاء فيه: «التخطيط لبناء أكثر من 150 مسجداً هيّج اعداء الأجانب في الجناح اليميني، وهم يخشون أن يسهل انتشار أماكن العبادة في تكوين مجتمع مواز للمجتمع القائم» وإثر شروع مسلمي مدينة كولون بألمانيا في وضع الحجر الأساس لبناء مسجد ضخم يعد أحد اكبر مائة مسجد تبنى أو يخطط لبنائها في ألمانيا أجرت صحيفة Times بتاريخ 6/12/2008 مقابلة مع الكاتب اليهودي ابن الخامسة والثمانين Ralph Giorando رئيس الحملة التي تعمل ضد بناء المساجد التي يشيّدها الأتراك في ألمانيا، وأحد المدافعين المستميتين عن الهولوكوست، جاء فيها: «إن تشييد هذا المسجد يرسل إشارة خاطئة تماماً، وهي أن هذه المساجد تعبير عن القوة، والتأثير. إنها مصادرة للأراضي باسم الدين، وليست دوراً للعبادة. ولذلك طلبت من عميد البلدية أن يوقف بناء هذا المسجد فوراً». لقد تحولت هذه المقابلة إلى لغط وقضية رأي تناولتها الصحافة والتلفزيون. ويقول Giorando إنه تلقى المئات من الرسائل المؤيدة لحملته، يقول بعضهم فيها: «نحن نخشى مثلك هذه الأسلمة التي تزحف على ألمانيا، ولكننا نخاف من إعلان ذلك على الرأي العام مخافة أن نتهم بالنازية الجديدة».7 - تسخير بعض الأقلام العربية والمسلمة لتشويه المسلمين:يسعى الغرب في العقود الأخيرة إلى استكتاب بعض الكُتاب من البلاد العربية والإسلامية، من المتجنسين وغير المتجنسين، وفيهم من بدل دينه وتنصر. وفي ظن الغرب ان الكتاب الذين ينحدرون من تلك الأصول هم أحسن من يكتب ضد الإسلام، والأكثر إقناعا للآخرين بخطر الإسلام والمسلمين. ومن هؤلاء المدعو ابن الورّاق lbn Warraq ([10]). ، ومارك جبرائيل Mark Gabriel ([11])، وإيان هيرسي علي lan Heresy Ali ([12]). وإرشاد مانجي lrshad Manji ([13]). ، ووفاء سلطان، ونوني درويش ([14])، وبريجيت غابرييل ([15])، وآخرون. وهذا يدل على عجز الغرب في التأثير فكريا في المسلمين اعتماداً على عقوله الغربية من جهة، وظنه أن تشويه الإسلام في عيون غير المسلمين يكون أكثر إقناعاً متى جاء من مسلمين أو ممن كانوا مسلمين وتنصروا، بافتراض أن لهم معرفة عميقة بالدين الإسلامي وهو غير صحيح حيث لا أحد ممن ذكرنا له الحد الأدنى من المعرفة بالإسلام. وعلامة إخفاق الغرب الذريع في هذه المواجهة الثقافية أن يكتب مسلم متنصر في الدفاع عن الغرب وكأن الغرب قد عجز عن الدفاع عن نفسه فأوكل هذه المهمة لمثل ابن الوراق الذي صدر له آخر كتبه بعنوان Defending the West, A critique of Edward Saids Orientalism ، وهو دفاع عن الاستشراق في مواجهة إدوارد سعيد.ولعل الأسماء التي وردت في ما يعرف بإعلان سانت بترسبورغ The St. Petersburg Declaation الذي قرئ على هامش مؤتمر قمة الإسلام العلماني Secular lslam Summit المنعقد في بترسبورغ بفلوريدا في أبريل 2007، يوضح مدى سعي الغرب للاستعانة بالمسلمين، ومنهم متنصرون، في مواجهة الإسلام. والأسماء الموقعة على الإعلان، هي : إيان هرسي، مجدي علام، مثال الآلوسي، شاكر النابلسي، توني درويش ، توفيق حامد، شهريار كبير، حسن محمود، وفاء سلطان، أمين طاهري، ابن الورّاق، بنافشه زند بوزاني، إفشين إليان.أثر الإسلاموفوبيا على حركة الدعوة في الغرب:تقوم الإسلاموفوبيا على ثمانية مكوّنات حددتها Runnymede، وهي:1 - النظر إلى الإسلام على أنه كتلة متراصة Monolithic block، وأنه ثابت غير قابل للتغيير.2- النظر إلى الإسلام باعتباره كائنا منفصلا وشيئاً آخر، وليست له قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، وغير متأثر بها أو مؤثّر فيها.3- النظر إلى الإسلام باعتباره ديناً وضيعاً، وأدنى من الغرب lnferior، وبربري Barbaric وغير عقلاني lrrational، وبدائي Prlmitlve، وشهواني Erotic.4- الإسلام عدواني Aggressive، وعنيف violent، ومهدد Threatening، ومؤيد للإرهاب Supportive of Terrorism، وفي صدام مع الحضارات ln a clash of civilization.5- الإسلام أيديولوجية سياسية Political ldeology ويستخدم لمصالح سياسية وعسكرية.6- انتقادات الإسلام للغرب مرفوضة.7- المعاداة الموجَّهة للإسلام تستخدم لتبرير عمليات التمييز ضد المسلمين واستثنائهم من المجتمع السائد.8- النظر إلى معاداة المسلمين على أنها عادية وطبيعية.ويزعم البعض أن السبب في ظهور المصطلح (إسلاموفوبيا) هو تزايد الحركات الإسلامية المعادية للغرب، التي إما أن تكون قد تسلمت السلطة في بعض البلدان، مثل: إيران، والسودان، وأفغانستان، أو مارست تأثيراً قويًا على سياسة الحكومة في بلدان أخرى.ويزعم أحياناً أن تزايد عدد المسلمين الأمريكيين والأوروبيين عامل يقود إلى الإسلاموفوبيا. ولعل أهم العوامل التي ساهمت في تشكل موجات الرُّهاب الإسلامي الموجودة حاليا منذ عام 2003 ذلك التأثير الهائل الذي يقوم به الإعلام الغربي والأمريكي في متابعة ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي إذا ما قيس بالعمليات الإرهابية التي يقوم بها غير المسلمين، ولا تلقى القدر نفسه من الاهتمام.وتظهر الإسلاموفوبيا في أربع صور: التمييز، العنف، الاستثناء، التحامل. ولكل صورة أوجه: التمييز، وتتمثل أوجهه في: الأعمال الوظيفية، وفي تقديم الخدمات العامة (الصحية والتعليمية). العنف، وتتمثل أوجهه في: الاعتداءات الجسدية، وتخريب الممتلكات، والإهانات اللفظية. الاستثناء، وتتمثل أوجهه في : الاستثناء من الإدارة والمسؤولية، والوظيفة، والأعمال السياسية والحكومية. التحامل وتتمثل أوجهه في: المحاورات اليومية، والإعلام.كيف نواجه الإسلاموفوبيا؟ لما كان مفهوم الإسلاموفوبيا يعني التخويف من الإسلام والمسلمين، فينبغي علينا إذن أن نكذّب فكرة أن الإسلام دين ترويع، بإشاعة الطمأنينة في نفوس الآخرين، وذلك بتشجيع لغة الحوار والتسامح، وتقديم الإسلام في صورته النقية الطاهرة بعيداً عن تمثلات المسلمين للإسلام التي تأثرت بالتعصب المذهبي الناجم عن الاختلاف العقدي والفقهي معاً. وهنا يجب التعريف بالإسلام من خلال مواطن الاتفاق بين معتنقيه، وهي الأغلب، والإعراض عن مواطن الاختلاف لأنها مدعاة للتفرق والتشرذم، لا التوحد والتجمع. التأكيد على ما سبق قوله في موضع سابق من هذا البحث، وهو أنّ سلوك المسلمين هو المعيار الذي يقاس به الإسلام في أعين الآخرين. فينبغي أن يترفع سلوك المسلمين إلى مستوى النظام الأخلاقي الذي جاء به الإسلام، وطبقه الرسول الكريم وهو القائل: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ([16]). والذي كان من دعائه(ص) في صلاته: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» ([17]).إن صورة المسلمين، أو لنقل بعض المسلمين وهم كثر، كما نراها نحن المسلمين باعيننا لا بأعين الغربيين، صورة سيئة تشين الإسلام. والمراقب لما يجري في المساجد بأوروبا عند صلاة الجمعة يرى مظاهر محزنة. فبعض وجوه المصلين عليها وجوم وقسوة، وملابسهم توحي بالفقر والفاقة. شعور مشعثة، ولحى غير مهذبة، ونظرات صارمة قاسية ليس فيها حنان. وإذا خرجوا من المسجد تجمّعوا بشكل غير حضاري، فبعضهم جلس يبيع طعاماً في أوعية بلاستيكية، والمصلون يتزاحمون عليه، كأنّ بهم مسغبة، أو مستهم مخمصة. منظر قبيح لا يليق بمسلم تأدّب بالاسلام وتخلّق بخلقه، الإسلام الذي يعلمنا نبيه أداء حق الطريق. فعن أبي سعيد الخدري (رحمه الله) عن النبي(ص) قال: إيّاكم والجلوس في الطرقات. فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ، نتحدث فيها فقال رسول الله(ص): فإذا أبيتم إلا المجلس، فاعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر» ([18]). ناهيك عن نزاعاتهم داخل المسجد نفسه. وكثير من المسلمين لا ينتبهون إلى أنهم مراقبون، والأعين متوجهة إليهم ترصد حركاتهم وسكناته | |
|