بسم الله الرحمن الرحيم
الكوفية التي لن تسقط !! - الدكتور أحمد الطيبي قبل عشرين عاماً حين دخلت على أبي عمار في أحد مكاتبه المتواضعة في تونس، في الساعة الثانية صباحاً، تناول ساندويشاً من تحت مقعده, قسمه نصفين وقدم لي أحد النصفين قائلاً: "هذا هو عشائي يا أحمد". هكذا كان متواضعاً, قابلاً بالقليل والزهيد مقتسماً ما له مع غيره أبعد ما يكون عن ممارسات وطقوس الزعيم الأوحد.
على مدى عشرين عاماً من المعرفة الشخصية، كان الرجل الذي أشغل الناس وأشغل الدنيا مليئاً بالدفء والأبوة لأنه لم يكن مجرد دلك "الرئيس" أو "القائد".
لقد كان بالنسبة لشعب بأكمله "أبو الأمة". الرجل الذي كان رئيساً لكل اللجان وأميناً عاماً لكل الهيئات وقائداً لكل الوحدات حتى غطى أحياناً بظله هذا على المؤسسات واللجان ذاتها.
كان ذكياً يحب الفذلكة، وكان حكيماً يمارس المسؤولية، وكان جباراً يتحمل الألم، وكان فلسطينياً يعيش المأساة. لم يكن عرفات نبياً. بل كان خطاءً. كان يدرك ذلك مع أنه نادر ما جاهر به.
ظلمه النظام العالمي الجديد فأجاز حصاره وأكد عزله ودعم سجانيه بحجة "الدفاع عن النفس". وألصقوا به تهمة الإرهابي بدلاً من المقاوم والقاتل بدلاً من المناضل، لأنه رفض الاستسلام حتى لو كان استسلاماً "مشرفاً"، كما أراد له بعض العرب. . . لقد أراد عرفات أن تكون له دولة كما هي الدول.
ليصبح شعبه شعباً كما هي الشعوب . . .
عادياًً بلا حاجز قلنديا وبلا الأباتشي. . .
بلا حاجز إيرز وبلا الإف 15. . .
أكد للمحتل أنه كذلك، ورفض الخضوع لشروطه، وكشف عورته أمام العالم. . .
فاضحاً شروطه للتسوية صارخاً بأعلى صوته "لا" فاهتزت أكواخ "كامب ديفيد" ليغضب منه العرب والعجم . . .
سقط في امتحانهم ونجح في امتحاننا جميعاً.
حمل كفاحية سامية وروح نضال عالية ولكنه كان ممعناً في الواقعية وحاملاً للمسئولية . . . أحب الرموز لأنها ملأت عليه الدنيا.
شمخت كوفيته فوق هامته وبدلته "الكاكي". . .
كنت أحد أولئك الدين دخلوا المقاطعة عليه بعد فك حصاره الأول. لمست كوفيته قائلاً: " هذه كوفية العرب. . إن سقطت سقط العرب".
.فانفرجت أساريره وكأنه طفل وديع قد انتصر. . . كان صدره يتسع حتى لأولئك الانتهازيين الذين يقدحونه ليدخلوا بلاط الملوك والأمراء، ليحوزوا على "المعلوم" من هناك ثم من هنا.
كان يدرك كنه هؤلاء ليقول. . .
"بهمش الله يسامحهم". . . اعتقد (خاطئاً أنه بذلك قد يحتوي الصالح والطالح منذ بيروت مروراً في تونس وانتهاء في رام الله على الطريقة "العرفاتية".
يغيب عرفات ولن تغيب قضيته يترجل القائد ولا ترتاح فلسطين. .
شرفتني يا أبو عمار بمعرفتك. .
شرفتني بالعمل إلى جانبك مستشاراً وبأكل طعامك وبالهمس على أذنك . .
شرفت شعباً بأكمله أنت رمزه. . شرفت أمةً بأكملها فكنت حامياً لبوابة قضيتها الأولى. أحبوك لأنك فلسطين . .
ونصبوا لك العداء لأنك فلسطين فأحببتك فلسطين. .
اغتالوا قضيتك عندما غابوا عنك. . . ليغيبوك. . . تحيةً لك من ابن لا يريد رثاءك . . . أيها الشهيد الشاهد.
من الناصرة الأبية . . من الجليل الأشم . . من الكرمل الاخضر . . ن عكا وحيفا ويافا واللد والرملة . . من طيون وادي عارة . . من المثلث الصامد ومن النقب الشامخ نقول لك: تحيةً لك يا والدي . . يا صاحب الكوفية التي لن تسقط أبداً . . تحيةً لك أيها الريح التي حركت الجبل . . تحيةً لك سيدي الرئيس.