منتدى نور المهدى فلسطين
السلام عليكم
أهلا بك معنا زائرنا الكريم
فلسطين فى القلب
والأقصى فى عيوننا
منتدى نور المهدى فلسطين
السلام عليكم
أهلا بك معنا زائرنا الكريم
فلسطين فى القلب
والأقصى فى عيوننا
منتدى نور المهدى فلسطين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور المهدى فلسطين

منتدى فلسطينى عربى إسلامى يهتم بالقضية الفلسطينية والشؤون العربية والاسلامية
 
الرئيسيةالتسجيلدخولأحدث الصور

 

 الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زهراء القدس

زهراء القدس


عدد المساهمات : 64
تاريخ التسجيل : 23/06/2010

الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه Empty
مُساهمةموضوع: الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه   الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه Emptyالجمعة 18 مارس 2011, 12:47 pm




الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه 54

اعتنى المسلمون في وقت مبكر جدا بسيرة رسول اللّه(ص) وحفظها وتدوينها وتداولها،وقد كتبت منذ النصف الثاني من القرن الاول الهجري. وترك سهل بن ابي خيثمة الانصاري (60ه) ابن عباس(78ه) وسعيد بن سعد بن عبادة (القرن الاول) وسعيد بن المسيب(94ه) وابان بن عثمان بن عفان (105ه) وعروة بن الزبير بن العوام (94ه) وغيرهم صحفا سجلت بعض الجوانب الهامة من حياة النبي محمد(ص)، ثم اخذت هذه الدائرة تتسع شيئا فشيئا لتتخذ السيرة النبوية لنفسها علما خاصا وحقلا معرفيا متميزا. وما يقال عن تاخر التدوين حتى القرن الثاني الهجري امر خاضع للنقاش ولا تويده المعطيات التاريخية، فقد كانت الصحف موجودة شائعة ومتداولة بين الصحابة وابنائهم، وشيوع المشافهة في حياة المسلمين الاوائل لا يعني ندرة الكتابة وعدم العناية بها، فقد نعى بعض الباحثين على زملائه عدم التفاتهم الى طبيعة المنهج السائد يومذاك، القائم على ثلاث مراحل احداها الكتابة، وهي المرحلة الوسيطة بين مرحلتين تقومان على المشافهة، حيث يقوم الاخباري بجمع معلوماته واستقائها من مصادرها الرئيسية مشافهة، ثم يقوم بتدوينهاوحفظها من طريق الكتابة ثانيا، ثم يوصلها بطريق المشافهة ثالثا.
وانما عني المسلمون الاوائل بالمشافهة فذلك لغرض التوثيق ومنع الدس والتحريف الذي يمكن ان يطال هذه المعلومات ويعرضها للتزوير والتحريف.
وقد اخذت السيرة استقلالها مع احد اشهر تلاميذ الزهري محمد بن شهاب (124ه)، وهومحمد بن اسحاق المدني المطلبي (152ه) الذي اعط ى للسيرة اطارها العام والسائد الى اليوم، ليحذو حذوه كل من الواقدي محمد بن عمر (207ه) وابن سعد (محمد بن سعد)البصري (230ه).
ومنذ ذلك اليوم، والى الان، لم تتوقف عناية المسلمين بسيرة نبيهم(ص)، تدوينا وشرحاواختصارا، وفي شتى الموضوعات العامة والخاصة، ونشات ابواب لم تاخذ نصيبها مبكرامن قبيل دلائل النبوة وشمائل النبي(ص)، فضلا عن نظم السيرة شعرا وشرح ذلك.
ومتابعة التطور التاريخي، نشوء حقل السيرة النبوية وملاحقة انجازات هذا التطورواستقصائه خارج عن مهمات البحث، فما يهمنا فيه هو رصد انجاز هذا العصر، وبالتحديدالقرن العشرين الميلادي، والاتجاهات الرئيسية التي سادت فيه، ودراستها ونقدها.
ويمكن تصنيف هذه الاتجاهات على الاجمال في اربعة:
الاول: وهو ما يعرف بالاتجاه العلمي.
الثاني: وهو ما يمكن تسميته بالاتجاه الاسلامي الحركي.
الثالث: البحثي المعرفي.
الرابع: الماركسي.
1- الاتجاه العلمي ربما يكون الدكتور محمد حسين هيكل احد ابرز وجوه هذا الاتجاه، ويلمع معه الكاتب المصري محمد فريد وجدي، والباحث والمورخ العراقي الدكتور جواد علي. وما يهمنابالفعل هو دراسة منهج هذه النخبة من خلال نتاجهم الفكري، وبالتحديد«حياة محمد»للدكتور هيكل، و«السيرة المحمدية»، لوجدي، و«تاريخ العرب في الاسلام الجزء الاول»للدكتور جواد علي.
حياة محمد «حياة محمد» لهيكل صدر ما بعد النصف الاول من القرن الميلادي الاخير فقد ذيلت مقدمة المولف بتاريخ 15/2/1935م، وقد جاء استجابة للتطورات التي حصلت في هذاالقرن، ويعبر خير تعبير عن عصارة فكر نخبة تجاذبها غير تيار فكري، بين تيار الاسلام وبين تيار الغرب بكل ما يحمله من طيف فكري وتنوع ثقافي.
حدد الدكتور هيكل هدفه من الكتاب والاشارة الى ذلك الهدف امر ضروري كما سياتي بانه استجابة لواقع ضاغط، وهو اي الواقع عزوف شباب المسلمين المتعلمين عن الدين وتاثرهم بالتيارات الغربية، وانبهارهم الشديد بما انتجه العقل الاوروبي في الفكر والنظم السياسة «ولا مفر لمن يريد ان يصهر هذه الطبقة من الاستعانة باحدث صور التفكير في العالم ليستطيع من هذه السبيل ان يصل بين الحاضر الحي وثروة الماضي وتراثه العظيم»«280». وعلاوة على ذلك فغايته من هذا البحث ان يعرف الانسانية كلها «كيف تسلك سبيلها الى الكمال الذي دلها محمد(ص) على طريقه. وادراك هذه الغاية غير ميسوراذا لم يهتد الانسان الى هذه السبيل بمنطق عقله ونور قلبه، راضي النفس بهذا المنطق منشرح الصدر الى هذا النور، لان مصدرهما المعرفة الصحيحة والعلم الصحيح، فالتفكيرالذي لا يعتمد على المعرفة الدقيقة ولا يتقيد مع ذلك بالطرائق العلمية كثيرا ما يعرض صاحبه لان يخطئ ويكبو، وكثيرا ما يناى لذلك به عن محجة الحق... ودراسة التاريخ يجب ان تكون غايتها نشدان الامثال العليا من حقائق الحياة، ويجب لذلك ان يتجنب من يدرس التاريخ سلطان الهوى وحكم المزاج، ولا سبيل الى تجنبها الا ان يتقيد الانسان بالطريقة العلمية ادق التقيد، والا يجعل من العلم والبحوث العلمية في التاريخ او غير التاريخ مطية لاثبات هوى من اهوائه او نزوة من نزوات مزاجه».
والناس، على اختلاف مشاربهم الفكرية والعقيدية وتنوع امزجتهم واهوائهم لا يجمعهم من وجهة نظر هيكل سوى العلم والمنهج العلمي، فهو الوحيد الذي له على هولاء جميعاسلطان وسطوة، بحيث لا يبقى لاي واحد منهم حجة او ذريعة ان حكم في قضية ما.
هنا نكون وجها لوجه مع المنهج الذي يرتضيه هيكل لنفسه بغية تحقيق هدفه من البحث.انه المنهج العلمي قال هيكل:
«ولذلك فكرت في هذا واطلت التفكير، وهداني تفكيري آخر الامر الى دراسة حياة محمد(ص) صاحب الرسالة الاسلامية وهدف مطاعن المسيحية من ناحية، وجمود الجامدين من المسلمين من ناحية اخرى، على ان تكون دراسة علمية على الطريقة الغربية الحديثة». وهذه الطريقة من وجهة نظر هيكل هي وحدها «الطريقة التي تجلو عظمة محمد(ص) على نحو يبهر العقل والقلب والعاطفة جميعا، ويغرس فيهامن الاجلال للعظمة والايمان بقوتها ما لا يختلف فيه المسلم وغير المسلم». بل اضطرالدكتور هيكل الى ان يسوق الحجج التي ساقها المستشرقون دون تلك التي يسوقها التاريخ والفكر الاسلاميان، وهي كثيرة لتكون اكثر تاثيرا في نفوس شبابنا المولع بكل آثار الغرب دونما تدقيق وتمحيص.
وقد فرض عليه منهجه الذي اشار اليه غير مرة ان يناى عن اكثر كتب السيرة مما يعد من امهات المصادر في هذا الحقل المعرفي، معتذرا عن ذلك بكثرة الدخيل في هذه السير ممالا يصدقه العقل ولا حاجة اليه في ثبوت الرسالة، والذي اعتمده المستشرقون للنيل من النبوة والنبي(ص).
وعلى الرغم من ذلك فقد ادان الدكتور هيكل ما يسمى بالفلسفة الواقعية (الوضعية)وموقفها من المسائل الدينية، وراى انها لا تخضع للمنطق ولا تدخل في حيز التفكيرالعلمي، وان ما يتصل بها من صور التفكير التجريدي (الميتافيزيقي) ليس هو ايضا من الطريقة العلمية في شيء. كما ادان الدكتور هيكل المحاولات التي استهدفت الحياة الروحية باسم العلم واحلاله محل الايمان، وفي الوقت نفسه اكد على قصور العلم وانه لايزال قاصرا عن تفسير كثير من الظاهرات الروحية؟ والنفسية، وانه لا يزال قاصرا عن تفسيرالظاهرات الكونية، فكيف يمكنه تفسير الظاهرات الروحية، بل ان انكار الظاهرات الروحية،وبخاصة ظاهرة الوحي مما ياباه العلم وتتنزه عنه قواعده.
وقد طبعت الكتاب عدة سمات يمكن تلخيصها بالتالي:
اولا: تخرج ابحاث الكتاب عن الاطار التقليدي العام للسيرة، فقد ركز هيكل في كتابه الحديث عن علاقة الاسلام بالمسيحية وموقف كل ديانة من الديانة الاخرى، ومبادئهماباعتبارهما رسالتين ترجعان الى منبع الهي واحد، كما اشار الى وجوه الخلاف بينهما، ولم ينس الحديث عن الاسلام باعتباره خاتمة الرسالات السماوية. وفضلا عن ذلك يبرزبوضوح التاكيد على الروح المعنوية في اشارة الى طغيان ما يسمى بالعلم والطريقة العلمية.
ثانيا: جاءت ابحاث الكتاب استجابة للتحديات المعاصرة، وبخاصة تلك التي برزت عقيب شيوع ما يعرف بالطريقة العلمية، والتي مثلها بقوة المستشرقون في ابحاثهم التي استهدفت الاسلام رسالة وفكرا ونبيا..
والدكتور هيكل، وان تاثر بمنهج الاستشراق فقد درس الاستشراق، بعمق وبنظرة نقدية لاتخفي امتعاضها منه. وقد اشار في عدد من المواطن الى اخطاء المستشرقين وحذر منهاصريحا، وان عد بعضهم في المنصفين، وقد ارجع تلك الاخطاء الى اهم سببين: احدهماجهل المستشرقين باسرار اللغة العربية، او لما يشوب نفوس طائفة منهم من الحرص على هدم مقررات دين معين من الاديان، او الاديان جميعها، وثانيهما الصراع القائم بين رجال الدين وهولاء العلماء يعني المستشرقين الذي يترك اثره في ابحاثهم وكتاباتهم.
وقد ناقش الدكتور هيكل عددا من مقولات المستشرقين ودحضها. وقد علق على مقولات بعضهم: «ارايت الحضيض الذي هوت اليه هذه الطائفة من كتاب الغرب؟ ارايت اصرارهم مع توالي القرون على الضلال وعلى اثارة العداوة والبغضاء بين ابناء الانسانية؟! ومن هولاءمن جاءوا في العصور التي يسمونها عصور العلم والبحث والتفكير الحر وتقرير الاخاء بين الانسان والانسان..».
ثالثا: يبدو ان المنهج العلمي الذي ارتضاه هيكل لنفسه فرض عليه التشدد في ما يعرف بمعجزات النبي محمد(ص)، وقد اصر الدكتور هيكل على ان القرآن الكريم هو معجزة الرسول(ص) الكبرى. قال: «ولم يرد في كتاب اللّه ذكر لمعجزة اراد اللّه بها ان يومن الناس كافة، على اختلاف عصورهم برسالة محمد(ص) الا القرآن الكريم، هذا مع انه ذكرالمعجزات التي جرت باذن اللّه على ايدي من سبق محمدا من الرسل، كما انه جرى بالكثيرمما افاء اللّه على محمد(ص) وما وجه اليه الخطاب فيه، وما ورد في الكتاب عن النبي لايخالف سنة الكون في شيء). وكلامه ليس صريحا في نفي المعجزة، الا انه نفى بالفعل عددا مما عرف من معجزات النبي(ص)، وقد رد شيوع هذه المعجزات في كتب المسلمين الى اعتقادهم بانها اي الخوارق المادية لازم لكمال الرسالة فصدقوا ما روي منها وان لم يردفي القرآن الكريم. كما اكد على ان التاريخ لم يذكر ان المعجزات حملت احدا منهم على ان يومن، بل كانت حجة اللّه البالغة هي الوحي، وحياة النبي في سموها، لذا نوه في الحديث عن مصادر بحثه الى ان القرآن الكريم هو المرجع الاصدق.
وعلى اساس هذا المنهج رفض معجزة الغار وحاول التشكيك بها، كما استهان بحادثة سراقة في مطاردته للنبي(ص) وردها الى اسباب طبيعية.
وقد جاءت كلمات هيكل في تعليقه على حادثة الاسراء والمعراج مبهمة غامضة، وبخاصة عن وحدة الكون في روح محمد(ص)، الى درجة علق معها عبداللّه القصيمي في نقده لكتاب هيكل: «والذي نخشاه ان يكون هذا القول قد تضمن نفي الاسراء والمعراج فانه اذاكان للكون وحدة او اذا كان الكون كله واحدا مجتمعا في روح محمد(ص) وفي صدره كمايريد كاتبنا لم يكن هناك حاجة الى ان يسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى،او يعرج به من الارض الى السموات العلى، بل لم يكن ذلك مستطاعا ولا معقولا، لان المسجد الحرام والمسجد الاقصى كلاهما في روح محمد وكلاهما شيء واحد، ولان السماء والارض شيء واحد وكلاهما في روح محمد، فهل يمكن ان يعرج به او يسرى به الى شيء هو في روحه ومعه؟!».
ولكن تعسف الدكتور هيكل واضح في نفي المعجز بشكل عام، ولعل ذلك يرجع الى مااسماه بالطريقة العلمية الغربية، والا اذا كان الدكتور هيكل يعد القرآن المرجع الاصدق فلماذا يتعسف في نفي ما اشار اليه القرآن الكريم في قضية جيش ابرهة الحبشي ويلجا الى تفسيرها بالوباء، وباء الجدري الذي تفشى في الجيش على حد زعمه! هل من الطريقة العلمية ان يفسر القرآن خلاف الظاهر من دون قرينة صارفة عن الظاهر.
رابعا: اشتمل الكتاب على دراسات نقدية ومعالجات جيدة لا تخلو من الدقة والروعة، ومن ذلك قضية صيانة القرآن من التحريف وكونه متواترا ومحفوظا من الزيادة والنقصان.
كماعالج عددا من المسائل الفكرية المهمة مثل الرسالات السائدة يومذاك، وموقع المراة ومركزها في الاسلام قبل عصر الاسلام. اضافة الى ذلك اشتمل بحثه على عدة تساولات جديرة بالبحث، وبخاصة تلك التي اثارها في فصل الهجرة الى الحبشة.
وناقش بتفصيل مقولات تاريخية اهتم بها المستشرقون لعل في مقدمتها اكذوبة الغرانيق وفرية الصرع.
خامسا: وان اصطبغ بحث الدكتور هيكل بروح نقدية واضحة، الا انه لم يشا مفارقة المشهورفي عدد من المقولات التاريخية، ولم تثر عنده التساولات والاحتمالات ومن ذلك تاخرجمع الحديث، وخصومة بني هاشم وبني امية التاريخية وتاثيرها في ما بعد عهدالرسول(ص)، ورعي النبي(ص) الغنم، ودور ورقة بن نوفل في تعريف النبي(ص)بالوحي والنبوة، وكيفية نزول الوحي وتلك العملية النفسية التي هزت شخصية النبي(ص). بل يرد ورقة بن نوفل عند هيكل في وقت مبكر عندما يضل النبي(ص) وهوفي الخامسة من عمره باعلى مكة فيرده ورقة بن نوفل؟! كما ساير المشهور في اعراض حليمة السعدية عن قبول ارضاع النبي(ص) اول الامر ثم اضطرارها لقبوله ثانيا.
وتمر عليه مقولات تاريخية لا يعلق عليها ويرسلها ارسال المسلمات، ومن ذلك ما ذكره على هامش حديثه عن نذر عبد المطلب، فينقل عن الطبري ان امراة من المسلمين نذرت ان فعلت كذا لتنحرن ابنها، وفعلت ذلك الامر ثم ذهبت الى عبداللّه بن عمر فلم ير في فتياها شيئا، فذهبت الى عبداللّه بن العباس فافتاها بان تنحر مائة من الابل، كما كان الامر في فداء عبداللّه بن عبد المطلب، فلما عرف ذلك مروان والي المدينة انكره، وقال: لا نذر في معصية.
هنا لم يشا التعليق. وكيف يخفى الحكم على حبر الامة عبداللّه بن عباس او عبداللّه بن عمر(ابن الخليفة الثاني) واجاب عنه مروان المفتي!! اما ما هو اكثر طرافة ما نقله عن ام المومنين عائشة، يقول هيكل: (ويروى ان عائشة كانت تزور حجر القبر يعني قبر رسول اللّه(ص) سافرة الى ان دفن عمر بها اذ لم يكن بها يومئذغير ابيها وزوجها فلما دفن عمر كانت لا تدخل الا محتجبة لابسة كامل ثيابها).
سادسا: انتماء هيكل المذهبي فرض عليه التعامل بحذر مع النصوص التاريخية وبانتقائية،فهو في الوقت الذي لم يشر فيه اطلاقا الى حديث الغدير، فانه اشار الى حديث الداربتصرف، فنقل قول علي(ع) لرسول اللّه(ص) بعد قوله(ص): فايكم يوازرني على هذاالامر: «انا يا رسول اللّه عونك. انا حرب على من حاربت» ولم يشا اكماله. نعم كان هيكل ذكره في الطبعة الاولى عن الطبري في تاريخه ثم حذفه من الطبعة الثانية.
بل اتهم عليا(ع)في امر عائشة في ما عرف بحديث الافك قال:
«وكانت الاشاعات تجد من حسان بن ثابت عونا ومن علي بن ابي طالب سميعا». يلاحظ ان هيكل نفسه ذكر مقالة عائشة لرسول اللّه، وهو يحمل ابنه ابراهيم من مارية من انها لا ترى بينهما شبها. كانه يشير بذلك الى نزول آيات الافك في مارية لا عائشة كما هو في عدد من الروايات.
ولكن الاخطر في هذا الصدد هو اتهامه لاهل بيت رسول اللّه(ص) بوضع الاحاديث والزيادة فيها واذاعتها بكل الوسائل. وهو اتهام يشاركه فيه احمد امين في كتابه ضحى الاسلام.
وحديثه اخطر منه ما ذكره من اتصال النبي(ص) بالنصران الى رهبانها واحبارها وجداله معهم، وبخاصة مع الراهب النسطوري، وهي مقالة نقلها الدكتور هيكل عن «درمنغم» في كتابه«حياة محمد».
سابعا: وقد يبدو التناقض واضحا على عدد غير قليل من المقولات الفكرية والتاريخية في بحث الدكتور هيكل، فهو في الوقت الذي يمنح فيه دورا هاما لخديجة(رض) في تطمين النبي(ص) ابان نزول الوحي لا يتحرج من نقل ما روي انها قالت له: ما ارى ربك الا قدقلاك، بعد تاخر الوحي وابطائه عنه.
ومن ذلك انسياقه مع المقولة التاريخية الشهيرة في اعراض المراضع ومنهن حليمة عن قبول النبي(ص) ليتمه لان الرجاء في الايامى قليل، وهو في الوقت نفسه وبعد عدة صفحات يشيد بايادي عبد المطلب على اهل مكة وكرمه، فكيف غاب عن هولاءالمراضع ان محمدا هذا الطفل ليس كاي يتيم، بل هو حفيد هذا الزعيم المكي الذي يجودعلى الناس في ساعات العسرة وايامها! وقد يكون من اكثر مظاهر التناقض عنده، وهو يقرر ان التاريخ لم يذكر ان المعجزات حملت احدا على الايمان ففي الوقت نفسه، يوكد ان طائفة من الذين آمنوا بمحمد(ص) ارتدت بعد حادثة الاسراء. فلماذا ارتدت هذه الطائفة وهي لم تومن للمعجز، فكما انها لم تومن لامر حسي او امر خارق للعادة فهي بكل تاكيد لا يثنيها عن ايمانها ذلك الامر، ان لم يزدهاايمانا.
قد تكون جولتنا مع هيكل طويلة وكان بالامكان ان تكون اطول على حساب النموذجين الاخرين: «السيرة المحمدية» لفريد وجدي، و«تاريخ العرب في الاسلام» للدكتور جوادعلي، ولكن في هذه الاطلالة ما يسوغها فالكتاب والكاتب من الشهرة بمكان، وهو يعد خيرنموذج لهذا الاتجاه وهو الاكثر تعبيرا عنه، هذا فضلا عن انها تغنينا عن الاسهاب في النموذجين الاخرين لانهما في الغالب على منواله.
السيرة المحمدية لوجدي محمد فريد وجدي هو الوجه الاخر البارز في هذا التيار، ولكن ليس بالضرورة ان يكون انجازه مشابها لانجاز الدكتور هيكل فللاول همومه واهدافه، وذلك ما يبدو من خلال قراءة افكاره التي سجلها تباعا عبر نشرها في مجلة الازهر منذ العام 1353ه/1934م تقريبا ثم جمعت في كتاب بالعنوان نفسه:
«السيرة المحمدية».
اولا: الهدف من البحث عند محمد فريد وجدي هو الهدف نفسه الذي يرمي اليه هيكل.فهو يرى ان الاساليب الخطابية والافانين البيانية التي سادت كتب السيرة قديما والتي حوت من الاقاصيص والروايات الموضوعة والاشعار المصنوعة، لا تفي بمتطلبات العصر ولاتجيب عن تحدياته، اذ «اصبح القول الفصل اليوم للعلم، العلم الذي اتفق قادة الفكرالانساني على تسميته بهذا الاسم، وهو جملة المقررات اليقينية على الوجود وكائناته مماسريت عليه اصول الدستور العلمي، فكل قول لا يحصل على تاييد هذا العلم او على القليل لا يماشى اسلوبه ويترسم حدوده، لا ينال من العقلية العصرية المكانة التي يراد ان تكون له. وقد رفض هذا العلم كل ما عرض عليه من اساطير الاولين حتى العقائد التي بادت في سبيل الدفاع عنها امم برمتها. وهذا العلم اليوم واقف لنا بالمرصاد ليفعل بعقائدنا مثل مافعل بعقائد الذين سبقونا اليه، والامم الاسلامية اليوم محفوزة اليه بحكم التربية العصرية،فوجب على القادرين منا على حمايته من الخطر العلمي ان يعملوا على شاكلتهم في هذه السبيل» ولذلك يدعو فريد وجدي في الدفاع عن النبوة وظاهرة الوحي الى اللجوءللاستدلال العلمي الحديث، ولا يكفي الاستدلال المنطقي على كثرة الادلة المنطقية.
هذا الهدف لا يحدد منهج البحث وحسب، بل يحدد ايضا الاطار ومادة البحث عند فريدوجدي كما سياتي.
فمنهج البحث عنده علمي يعتمد المعطيات العلمية التي تقوم على المشاهدة والتجربة.لكن ينبه(وجدي) قراءه الى انه لا يريد ان يثبت امكان الوحي بالاستناد الى اكتشافات العلماء وانما يستانس بها في بحثه، ادلالا منه على ان الانسانية قد اجتازت دور الافتتان بالماديات، وبدات تدخل الى عهد من الحياة تتفق فيها فتوحات الروح من طريق النبوة،وفتوحات العقل من طريق العلم، ولذلك يهاجم فريد وجدي الكتاب الماديين الذين ادعوا منافاة فكرة النبوة للعقل بحجة منافاتها للعلم من جهة وعدم حاجة الاجتماع اليها من جهة اخرى، ويوكد على ادلة العلم على اثبات النبوة بما لا يقبل النقض.
ثانيا: مدخل البحث يرسم وجهته عند فريد وجدي، فهو ليس في صدد البحث التاريخي وفي حقل السيرة النبوية تحديدا، انه بكلمة ادق بصدد اثبات ما وراء الحدث التاريخي، انه يعالج فكرة النبوة وظاهرة الوحي علميا. ومن اجل ذلك فهو يحشد كل المعطيات العلمية التي انتجتها المختبرات العلمية واثبتها المخترعون والمكتشفون بما يدلل على عدم استبعاد ظاهرة الوحي وعدم منافاتها للعلم. بل العكس تماما.
وهنا يخرج فريد وجدي عن الاطار التقليدي العام للسيرة، ولكن لا على النحو الذي اختطه لنفسه محمد حسين هيكل وان كان يتفق معه احيانا في بعض المواقع. فعلى هامش الفكرة الاساسية التي عالجها في مدخل البحث وهي ظاهرة الوحي والنبوة، تحدث عن تاريخ النبوة ونصيب العالم من رسالة خاتم المرسلين، والعلاقة بين الرسالات السماوية. كما ركزعلى الحالات النفسية للنبي، ومهمة خاتم المرسلين، والصفة العمومية للرسالة الاسلامية خاصة وتفردها بها، فضلا عن دراسته للواقع العربي ما قبل بزوغ فجر الرسالة.
والفكرة الاساسية كما حددت منهج البحث واطاره العام، كذلك القت بظلالها على المادة التاريخية للبحث عند فريد وجدي، لذلك قلت المادة التاريخية عنده، وغابت التفصيلات وكثرت المرويات. انه فقطيستعين بالمادة التاريخية بما يخدم الهدف من بحثه، دون ان يعنى بالتاريخ او يستغرق فيه بعيدا عن هاجسه وهمه الرئيسي. وهذا ما دعاه الى مناقشة المستشرقين ودحض مقولاتهم بقوة وشراسة.
ثالثا: منهجه العلمي الذي اختاره لبحثه قاده الى التعاطي مع المقولات التاريخية بطريقة مختلفة عن المالوف والتقليدي، وبخاصة في ما يتعلق بالاعجاز والمعجزات التي ذكرتهاامهات مصادر السيرة النبوية. قال في هذا الصدد: «ربما يخيل لمن يطلع على شرطنا ايرادالسيرة النبوية على اصول الدستور العلمي ان جانب الاعجاز فيها سيكابد نقصا عظيما، ان لم يغفل اغفالا تاما، واغفال هذا الجانب منها يجعلها امرا طبيعيا، فتفقد النبوة صفتهاالمميزة، وتصبح سيرة النبي كسيرة احد عظماء الرجال، وليكن من الممكن اثبات انه اعظمهم فتكون النتيجة سلبية من الناحية الدينية. نقول: لا، فاننا ان سرنا على شرط العلم في اثبات الحوادث وعزوها الى عللها القريبة، فانه سيتالف من جملتها امر جلل يقف العلم نفسه امامه حائرا لا يستطيع تعليل صدوره عن فرد واحد، وسيكون مضطرا بان يعترف بان محمدا(ص) كان عبقريا من طراز خاص فاق به جميع العباقرة، وهذا كسب عظيم للقائلين بنبوته، لان العبقرية في العلم لا تعني ما تعنيه في عرف العامة، هي في العلم ما يلقى في روع العبقري من علم او عمل بدون جهد منه، فيجيء فذا لا سابقة له، يتخذ مثالا لغيره ولايمكن تقليده، فالعبقرية بهذا المعنى العلمي تقرب معنى النبوة الى العقل، وتسوغها في العلم».
في هذا الصدد يلجا فريد وجدي الى التعويض، فها هو يضطر الى التقليل من شان المعجزات التكوينية تلك التي تعد خروجا على المالوف والطبيعة، كل ذلك على خلفية مايسمى بالطريقة العلمية الحديثة التي لا تقيم لهذه الظواهر وزنا، فلذا استعاض عنها بمايمكن تسميته بالمعجزات الاجتماعية. فعلى هامش الحديث عن معركة(بدر) يقول وجدي: «تمتاز العصور النبوية بالخوارق للنواميس الطبيعية، فاساطير الاديان ملاى بذكرحوادث من هذا القبيل، كان لها اقوى تاثير في حمل الشعوب التي شهدتها على الاذعان للمرسلين الذين حدثت على ايديهم. وقد حدثت امور من هذا القبيل في العصرالمحمدي، صاحبت الدعوى في جميع ادوارها، وكانت اعظم شانا واجل اثرا، من كل ماسبق من نوعها. ولست اقصد بها ما تناقله الناس من شق الصدر، وتضليل الغمامة، وانشقاق القمر، وما اليها مما لا يمكن اثباته بدليل محسوس، او مما يتاتى توجيهه الى غير ما فهم منه، ولكني اقصد تلك الانقلابات الادبية والاجتماعية التي تمت على يد محمد(ص) في اقل من ربع قرن، وقد اعوز امثالها في القرون العديدة، والاماد الطويلة. وقد لاحظ قراونا اننانحرص فيما نكتبه في هذه السيرة، على ان لا نسرف في صرف كل حادثة الى ناحية الاعجاز، ما دام يمكن تعليلها بالاسباب العادية، حتى ولو بشيء من التكلف، مسايرة لمذهب المبالغين في التثبت، والمحافظين على اقامة الدستور العلمي..».
فمعجزات النبي محمد(ص) عند فريد وجدي هي: قيام محمد(ص) وحده بدعوة امة برمتها الى ترك دين توارثته عن اسلافها اجيالا كثيرة والاخذ بدين مناقض له في جملته وتفصيله، ونجاحه في ما تصدى له نجاحا محيرا للعقل لم يسبق له شبيه في تاريخ النفسية الانسانية. والاكثر اعجازا هو نجاحه الكبير في التغيير الجذري والانقلاب التام لهذه الامة،في وقت سلكت فيه العبقريات التي تم لها توحيد الامم طريق السنة التدريجية للانتقالات الاجتماعية، اما الرسالة الاسلامية فلم تسلك طريق تلك السنة الطبيعية، ولم تستخدم انقاض الحالات السابقة لبناء الحالات التي اوجدتها، بل جاءت بالمثل العليا التي ليس وراءها مذهب.
ويرى فريد وجدي ان من الظواهر الغريبة التي لا يمكن تعليلها الا بالاعجاز ظاهرة سرعة انتشار الاسلام في العرب وغير العرب. بل الاشد اعجازا هاهنا هو اقبال العرب على الاسلام بكل قناعة بعد طول ممانعة الى درجة اصبح معها هذا الاقبال ينقلب الى حالة من الاستهانة بالحياة في سبيل هذه العقيدة الجديدة، في وقت لم يعرف عن العرب ولم يحفظ لهم تاريخهم كبير عناية بالدين او التضحية في سبيله.
والشواهد كثيرة في هذا المجال يحاول وجدي تحشيدها بغية الاستعاضة عما يسمى بالمعجز التكويني. لا انكارا منه للمعجز التكويني كما يبدو من ظاهر كلماته، وانما تكريسالما اسماه بالمنهج العلمي والطريقة العلمية.
رابعا: وان فرض المنهج على فريد وجدي ان يناى عن التفصيلات التاريخية او يتابع ويلاحق المقولات التاريخية على اختلافها وتضاربها، لتبدو مادته التاريخية قليلة تبعالذلك، فان بحثه لم يخل من دراسة نقدية جادة لعدد من المسائل والقضايا التاريخية.
ومن اهم ما عالجه في مطاوي كتابه حالة العرب قبل الاسلام ورفض المقولة السائدة والذائعة الصيت التي فسرت نجاح الدعوة الاسلامية بالارهاصات العربية والتحولات التي سبقت بزوغ فجر، ونفى نفيا قاطعا ان تكون ثمة محاولات عربية للاصلاح، وقد رد هذه المقالة الى خصوم الاسلام والتي تلاقفها بعض القشريين العرب على حد تعبيره واكد ان هذه المقالة لا تجد لها اساسا صالحا في التاريخ لترتكز عليه، وليس ثمة اي شاهد على الاطلاق يدعمها. واكد ان «الحق الذي لا مرية فيه ان بلاد العرب لم تقم فيها دعوة ترمي الى توحيد قبائلها واصلاح نفسيتها وتقويم ديانتها، ولو كانت لترامت الينا اخبارها مكبرة مضخمة، لان هذه الحركة الاصلاحية لا يمكن ان تكون خفية، فهي شعور تولده في الجماعات الحاجة، وتهيئه العوامل، وتضطرب له اعصابها، وتنفعل به اعضاوها، وتنشاتحت تاثيره اخلاق جديدة ومرام بعيدة، تدرك تطوراتها الشعوب البعيدة عنها فما ظنك بالقريبة منها».
وهذه الاشكالية التي يجيب عنها فريد وجدي من الاهمية بمكان تاريخيا وعقائديا، وقدراجت مع بزوغ المدرسة الماركسية في محاولاتها لتفسير ظاهرة النبوة كافراز طبيعي بيئي.
وفي الاطار نفسه اكد فريد وجدي على فرادة ظاهرة لجوء النبي محمد(ص) الى غار حراءللعبادة والانقطاع الى اللّه وان هذه الظاهرة لم تكن معروفة في الوسط العربي في شبه الجزيرة العربية، تلك المنطقة التي لا تحفل بالمسائل الروحية بقدر ما تحفل بالكهانة ودعوى الاتصال بالجان. هنا ايضا يفتح فريد وجدي ثغرة في ما وصلنا من تراث الاخباريين الذين تحدثوا عن عادة التحنث، وهي مرويات ينبغي التعامل معها بحذر شديدودقة كبيرة.
وقد تبرز الروح النقدية بشكل صارخ في مناقشاته الجادة لروايات السيرة النبوية وتعليلاتهافي خصوص ايمان الاوس والخزرج وقبولهم بدعوة النبي(ص)، وقد تناولها فريد وجدي بتفصيل ومناقشة جادة ورائعة في آن واحد.
خامسا: ومع ذلك فقد اذعن، في حالات كثيرة، للمشهور ومسلماته ومصادراته من دون ان يسجل ملاحظاته او يتحفظ على بعض فصولها، وقد يكون من ذلك ممارسة النبي(ص)لمهنة الرعي، وكيفية نزول الوحي عليه(ص)، وهجرة ابي بكر الخليفة الاول الى الحبشة اوعزمه بالاحرى على الهجرة اليها. ويقتضي الانصاف القول: انه لم يبالغ في اقتفاء اثرالمشهور ولم ينسج على منواله، فقد يكون جريئا جدا في مسائل هامة وبالغة الخطورة،ففي الوقت الذي توكد النظرة التاريخية السائدة على اساس انتمائها لمدرسة الخلفاء على دور الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في الاسلام وجراته في الدفاع عنه الى درجة تتغير معهاموازين القوى في مكة بعد اسلامه لا يتريث فريد وجدي في وصف الخليفة عمر بالخائف،وهو يرسم قسماته وحالته وهو يدخل الاسلام خائفا من قومه. اذ نقل عن البخاري عن ابن عمر قال: بينا عمر في الدار خائفا اذ جاء العاص بن وائل السهمي ابو عمرو بن العاص وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك انهم سيقتلونني لانني اسلمت، قال: لا سبيل اليك. فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: اين تريدون؟ قالوا: ابن الخطاب الذي قد صبا. قال: لا سبيل اليه، فكر الناس وانصرفوا.
سادسا: قد تكون هذه الروح النقدية هي التي اسهمت في تخفيف البعد الطائفي في بحث فريد وجدي، فلم يكترث بعدد من المقولات التاريخية المذهبية من قبيل العناية الكبيرة باسلام ابي بكر ليضطر الى المماحكة كما هو المعروف للجمع بين اسلام(علي اميرالمومنين) المبكر وما روي في مدرسة الخلفاء عن اسلام ابي بكر ليصنفوا عليا في الغلمان وابا بكر في الرجال. كما انه لم يعن في ما تتحدث عنه مدرسة الخلفاء عن كفر ابي طالب.
ولكنه تاثر بلا ادنى اشكال بانتمائه المذهبي فلم يات على ذكر حديث الدار او حديث الوزارة، تلك الحادثة المبكرة وذات المغزى الكبير، كما لم يات على ذكر حادثة الغدير، ولااعرف السبب الذي احجم لاجله فريد وجدي عن التفصيل والتحليل والمناقشة في مستقبل الدعوة والدولة، غير السبب المذهبي.
وفي الوقت الذي لم يتجاهل فيه فريد وجدي دور علي امير المومنين في الدعوة الاسلامية فانه تجاهل دوره في واقعة تاريخية معروفة تلك قدومه بالفواطم من مكة الى المدينة، فذكران رسول اللّه(ص) ارسل زيد بن حارثة وابا رافع الى مكة لياتيا بمن تخلف من اهله.
تاريخ العرب قبل الاسلام الوجه الثالث لما يسمى بالاتجاه العلمي هو الباحث والمورخ العراقي الدكتور جواد علي،في كتابه: (تاريخ العرب قبل الاسلام)، والذي صدر منه الجزء الاول، وقد اقتصر فيه جوادعلي على بحث السنين الثلاث ودراستها، او الاربع من النبوة، سني التحفظ والاستخفاء.
وقد تميز بحث الدكتور جواد علي من قرينيه بما نوهنا به من الدقة العلمية والمنهجية، نظرالانصراف جواد علي الى البحث التاريخي، بما اضفى على بحثه شيئا من الاتزان شكلاومضمونا.
وعالج جواد علي في مطلع بحثه قضية التدوين وكتابة التاريخ وشروط المورخ، كما عالج مسالة موارد التاريخ الاسلامي ومشكلات التعاطي معها، ومدى توثيقها واستنباط حقائق التاريخ منها. وقد جاءت هذه المقدمة في عدد غير قليل من الصفحات، قد تكون فريدة على اختصارها.
ويمكن تحديد اهم سمات بحثه في النقاط التالية:
اولا: لم يشا جواد علي ان يكون داعية او مبشرا بدين على حد تعبيره فلا حاجة للدين لرايه او مساعدته، فالاديان كلها من منبع واحد، وبعضها يتمم بعضها الاخر، ومن وجهة نظره لايضير الاسلام ولا يثيره قول من يقول انه ماخوذ عن يهودية او عن نصرانية.. وما دامت هذه الاديان من اللّه رب العالمين، ومن منبع واحد، فلا بد من ان يكون فيها ما تقتضيه طبيعة الوحي والالهام من ذلك المصدر الذي الهما.
هذه الملاحظة مركزية عند جواد علي ومهمة للغاية وهي كذلك الى حد ما ولذلك يفتش جواد علي عن موارده في كل ما يمكن ان يفيد تكوين الصورة للماضي موضوع البحث وهناالسيرة تحديدا وكلما توسع المورخ وتبسط في مراجعة مظان موضوع بحثه وموارده، كانت احاطته باحواله اشمل واعم.
وفي السيرة، تحديدا، المصادر عند جواد علي هي: القرآن وكتب التفاسير واسباب النزول،والحديث حديث رسول اللّه(ص)، وكتب السير والمغازي والتواريخ العامة والخاصة،وكتب الادب والامثال العربية والقصص الجاهلي والاسلامي، بل ما كتبه غير العرب ممايمكن ان يفيد، اذا كان ينتمي الى تلك الحقبة او اقرب ما يكون اليها زمنيا..
ولكن سند جواد علي وملاذه بالدرجة الاساس في معرفة تاريخ الاسلام واحوال العرب في ذلك العهد هو القرآن، اما المصادر والموارد الاخرى فهي ثانوية بالنسبة اليه.
ويعتقد جواد علي ان المورخ للسيرة النبوية، لو سار بموجب وحي آيات القرآن لجنب نفسه الوقوع في المزالق والم آخذ، وجعل السيرة النبوية سيرة حية، بعيدا عن القصص الالصهاينة ي الذي ادخل على السيرة وعلى الاسلام، وبخاصة عند اصحاب السيرالمتاخرين، تلك القصص التي اثارت التشكيك بصاحب الرسالة والمرسلين.
ثانيا: يوكد اذن جواد علي «على ضرورة مناقشة الحوادث التاريخية وسيرة الرسول في ضوء القرآن» وان «يفهم المورخ الحادث من منابعه ومجاريه، وان يتقصاه ويفهم روحه من فهم الاسلام له».
انطلاقا من هذه الروية يتحدد موقفه مما يعرف بالمعجز، فهو يرى انه قصص مخالف لماجاء في القرآن الكريم عن الرسول ولحديث الرسول ولروح الاسلام.
هذا هو الموقف بشكل عام، اما تفصيليا فلم يتسن للدكتور جواد علي التعليق لان بحثه لايغطي سوى جزء يسير من حياة النبي(ص). ولكن ثمة موقف تفصيلي تبدو هذه الروية فيه بشكل واضح وسافر، انه الموقف تجاه ما يعرف باصحاب الفيل واندحارهم وهزيمتهم،فقد رد ذلك الى انتشار وباء خبيث بين الجيش فتك فيهم واهلك اكثرهم واضطر الناجون منه المتغلبون عليه الى الفرار.
وفي مجال التعليق على هذا الموقف نتساءل: لماذا يعدل الدكتور جواد علي عن ظاهرالقرآن الذي هو سنده الاول في فهم تاريخ الاسلام واحوال العرب قبل الاسلام؟! فهل تحدث القرآن عن وباء خبيث. وهل ثمة معطيات تاريخية عثر عليها الدكتور جواد علي عدلت به عن الاخذ بهذا الظاهر؟ ثالثا: من الاهمية بمكان الاشارة الى ان من اهم ما يلاحظه الناقد في بحث جواد علي هوعنايته الشديدة ومتابعته الجادة لمقولات المستشرقين في حقل السيرة النبوية، وقد بذل جهدا مشكورا في الحديث عن تاريخ الاستشراق ودوافعه والاخطاء المنهجية التي ارتكبهاالمستشرقون، كما ناقش بشكل تفصيلي مقولات عدد منهم من امثال «شبرنكر وكيتاني»وغيرهما، وكانت مناقشاته غاية في الدقة، ترتكز الى محاكمات علمية وموضوعية،وتكشف عن احاطة تامة بواقع المستشرقين من جهة، وحقائق التاريخ من جهة اخرى.
رابعا: ان خبرته في التاريخ وتضلعه فيه جعلاه متفردا في تحقيق عدد من المسائل المهمة شديدة الصلة بتاريخ النبي(ص) وسيرته، وبخاصة تلك التي تنتمي الى عصر ما قبل الاسلام. فقد تحدث باسهاب غير مخل عن مكة واحوالها الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما تحدث عن رجالها ممن اسهموا في تدعيم موقعها ايضا.
وفي هذه المسالة بالذات كان جواد علي منهجيا للغاية، في تمايز واضح عن كتاب السيرة المتاخرين في ذلك. فقد اماط اللثام عن مصادره وموارده التاريخية بشكل تفصيلي، لتكون صوره التاريخية التي ينحتها مرهونة بصحة هذه الموارد والمصادر، وبعضها كما نعرف وهوما اشار اليه جواد علي من مرويات الاخباريين، وهي مرويات لا يمكن الاطمئنان اليهابنسبة يعتد بها منهجيا.
وهذا ما يظهر في حديثه عن قصي وهاشم وعبد المطلب، وفي حديثه عن بعض المظاهرالدينية من قبيل التحنث، بل ان ذلك مما ينطبق على اخبار ابي طالب، الشخصية القريبة الى عهد الاسلام.
فما كانت تفسيراته لعدد من المقولات التاريخية معقولة وبعيدة عن المغالاة، ويظهر ذلك في تفسير حلف الفضول والدوافع التي افرزته، وفي تفسيره لما تناقله اهل الاخبار في ظاهرة الاحناف، وقد اكد على انها قناعات شخصية لم تتجاوز حدود الذات.
وعلى هامش تحقيقاته التاريخية المعمقة اشتمل بحثه على استطرادات لا تقل عن تحقيقاته روعة ودقة، ومن ذلك اشارته الى القصص الاسرائيلي الذي اسهم مسلمة الكتاب في ادخاله الى التراث، وتعمدهم الكذب على التوراة والانجيل على سبيل التودد الى المسلمين والتقرب اليهم. كما اشار الى ظاهرة ربط اكثر القصص الالصهاينة ي بابن عباس،وهي ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة.
كما اشار الى شخصية ورقة بن نوفل وقيمة الروايات التي نقلها اهل الاخبار في شانه كمااشار الى دور عداس النينوي الذي يرد ذكره في السيرة في هجرة النبي(ص) الى الطائف وحادثة نزول الوحي حيث اعطت له بعض المرويات في هذا الصدد دور ورقة بن نوفل.وعدد آخر غير قليل من هذه الاستطرادات التي لا يسعنا الاشارة اليها.
ومع ذلك فقد يكبو الجواد، فقد تناقض باحثنا في كتابه «تاريخ العرب قبل الاسلام»، غيرمرة. نشير الى موقفه من ابي طالب فقد ذكر ان جوابه للرسول حين دعاه الى الايمان به وهجر الاوثان وترك عبادة الاصنام كان: «اما دين آبائي فان نفسي غير مشايعة على تركه وماكنت لاترك ما كان عليه عبد المطلب..». وكان قد ذكر في مورد آخر ان عبد المطلب كان اول من تحنث بحراء، مما يوكد على انه لم يكن يدين بعبادة الاصنام كما هو المشهورعند الاخباريين.
واذا اختلف رموز هذا الاتجاه في رواهم الفكرية وهمومهم الثقافية، فلا شك انهم يجتمعون في اختيار ما يسمى بالمنهج العلمي، ان استجابة لصرعة العصر او اقتناعا منهم بمقولاته،وانهم يجمعون على التصدي لمحاولات المستشرقين خاصة تلك المحاولات السافرة والدنيئة، انه التصدي المنطلق من القناعة بالاسلام فكرا وحضارة وان ناى بعضهم عنه التزاما.
2- الاتجاه الاسلامي الحركي مع تعرض المسلمين للغزو العسكري والثقافي الاستعماري اوائل القرن العشرين، اخذت تتعالى بعض الاصوات في العالم الاسلامي داعية الى النهوض، وهو نهوض يقوم اساساعلى تفجير طاقات المسلمين واثارة عواطفهم ووعيهم بذاتهم. هذا الوعي الذي يتوقف على اعادة النظر في المرتكزات الفكرية والعقيدية وتاصيلها، كما يتوقف على دراسة الرصيد التاريخي الضخم للمسلمين، حيث تمثل السيرة النبوية احدى اهم لبناته. وعندئذبدا المعنيون في حركة الاحياء الاسلامي التركيز على سيرة النبي محمد(ص) وتذكيرالمسلمين باروع فصولها، في محاولة لاستنهاض الهمم والعزائم.
وقد انجزت، في هذا السياق عدة دراسات لتحقيق هذه الغاية، قد يكون اشهرها ما كتبه الدكتور مصطفى السباعي في «السيرة النبوية دروس وعبر» وما كتبه الشيخ محمد الغزالي في «فقه السيرة» والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في «فقه السيرة النبوية»، ودراسة هذه النماذج ربما تغني عن الاستغراق في غيرها من الدراسات المماثلة.
السيرة النبوية: دروس وعبر حدد السباعي هدفه من بحثه هذا في التركيز على مظاهر الاسوة في سيرة الرسول الكريم(ص) مما ينبغي على كل مسلم وداعية الى اللّه عز وجل، وعالم بالشريعة، وحامل لفقهها، ان يتدبره ويجعله نصب عينيه ليكون له شرف الاقتداء برسوله(ص).
اولا: قسم كل فصل من فصول كتابه الى قسمين، اولهما تاريخي، وثانيهما تحليلي يعنى بالتركيز على الدروس والعظات، وقد جاء هذا القسم الثاني بعنوان الدروس والعظات.[/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهراء القدس

زهراء القدس


عدد المساهمات : 64
تاريخ التسجيل : 23/06/2010

الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه   الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه Emptyالجمعة 18 مارس 2011, 12:54 pm



«السيرة المحمدية»،واراد ان يكون اهم عمله في كتابه «فقه السيرة» هو الاقدام على ازالة بقية الاطلال القائمة لتلك المدرسة. وفي ضوء ذلك حدد منهجه ابتداء، في ضرورة دراسة حياة النبي محمد(ص) كنبي مرسل من قبل اللّه لا كعبقري عظيم او قائد خطير او داهية محنك، لان مثل هذه المحاولة من وجهة نظر البوطي ليست الا معاندة او معابثة للحقائق الكبرى التي تزخر بها حياة محمد(ص)، ولذا انكر الاستسلام لمن يدعي بان المعجزة الوحيدة في حياة النبي(ص) هي القرآن وحسب من دون غيرها من المعجزات.
والحق مع البوطي في ضرورة دراسة سيرة النبي(ص) كنبي مرسل لان من اهم الشروط التي يمكن ان يتوفر عليها الباحث في حقل السيرة هو الاعتقاد بالنبوة او على الاقل احترام البعد الغيبي في هذا المقطع الزمني، والا فقد تكون النتائج مقلوبة وذات وجهة اخرى غيرالوجهة التي تراد. ولكننا مع تحفظنا على بعض مقولات هيكل ووجدي.. لا نجد ما يوحي بانكارهم البعد الغيبي في حياة النبي محمد(ص)، بل ان اهم ما انعقد له البحث عندهم وخاصة فريد وجدي هو الدفاع عن نبوة محمد(ص) امام شبهات المستشرقين وتحديات العلم الحديث وطغيانه.
ويمكن ان نقول ان البوطي ناى بكتابه عن نمط الدراسات التاريخية التي تهتم بالوقائع التاريخية المجردة والسرد القصصي، لان الغرض من دراسته هو ان يتصور المسلم الحقيقة الاسلامية في مجموعها متجسدة في حياته(ص) بعد ان فهمها مبادىء وقواعد واحكامامجردة في الذهن، اي ان دراسة السيرة النبوية من وجهة نظر البوطي ليست سوى عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الاسلامية كاملة في مثلها الاعلى محمد(ص).
ومن حيث الاطار العام للسيرة لا يختلف البوطي عن غيره من الباحثين السابقين والمعاصرين، اذ لم يشذ عن المنهج الزمني المتبع والشائع في دراسة السيرة النبوية، ابتداءبالموضوعات التمهيدية للسيرة ومنها الوضع الاجتماعي والاقتصادي والديني.. للجزيرة العربية قبل فجر النبوة مرورا بولادة النبي وحالاته الاخرى، وحياته الجهادية ودعوته،وانتهاء بوفاته(ص).
وقد اضاف البوطي فصلا في الطبعات الاخيرة لكتابه تناول فيه حياة الخلفاء الراشدين.
هنا تبدو مصادر البوطي متنوعة الى حد ما، ولكنها ليست بالكثيرة، فقد اعتمد على عددمحدود من السير، من قبيل سيرة ابن هشام وابن سعد وسيرة ابن سيد الناس، كما اعتمدعلى المجاميع الحديثية كصحيح البخاري ومسلم ومسند احمد. واقتصاره على هذا العددالمحدود لا يخلو من دلالة.
ومن حيث الصور المنهجية للبحث، فقد يبتعد عن منهج الشيخ الغزالي في «فقه السيرة» ذلك المنهج الذي يسترسل فيه الغزالي مازجا بين الواقعة التاريخية وعبرها وفقهها، ولكنه يقترب وقد يكون مقلدا من الدكتور السباعي الذي اشرنا الى منهجه، وهو يقسم بحثه الى قسمين اولهما للبحث التاريخي، وثانيهما للعبر والدروس والعظات.
وكما لاحظنا على الدكتور السباعي قلة مادته التاريخية فالملاحظة نفسها ترد على الدكتورالبوطي، فالاخير لا يهمه كثيرا التتبع التاريخي، وانما هو انتقائي في مجال التاريخ يعمد الى نص ويغفل النصوص الاخرى، وبخاصة تلك المتعارضة او محل نزاع، بل لا تعثر على حوادث مهمة ذات مغزى او دلالات كبيرة، من قبيل حديث الدار او الوزارة، ذلك الحدث المبكر الذي سجله لنا التاريخ وخاصة الطبري عندما دعا رسول اللّه(ص) بامر اللّه تعالى عشيرته للايمان والموازرة فلم يعلن عن موازرته سوى علي وبدعم من ابي طالب. وفضلاعن ذلك فقد اهمل الاشارة الى حديث الغدير ايضا.
وفي الوقت الذي يغفل تماما حادثة غدير خم تاريخا وعبرة ودرسا، يوكد وبشكل كامل وبالغ الاهمية على الاولوية التي اولاها رسول اللّه(ص) لابي بكر ويحاول ان يجد في النصوص ما يوكد ذلك او يعينه عليه ليعثر على ما نقل عن رسول اللّه(ص):
«ان امن الناس علي في ماله وصحبته ابو بكر». بل يعده وغيره بمثابة النص على استخلاف رسول اللّه(ص) لابي بكر. ولم يلتفت البوطي الى ما نقله عن ابن اسحاق واحمد بن حنبل عن مقدار مال ابي بكر وهو يخرج مهاجرا الى المدينة حيث بلغ كله خمسة آلاف او ستة آلاف درهم. وهو مقدار لم يبلغ ما قدمته خديجة لرسول اللّه(ص).
ومن الطريف ان البوطي وهو ينعى على خصومه لجوءهم الى الحديث عن اولوية علي بن ابي طالب(ع) في الخلافة، لا يجد غضاضة في اقتناص الدروس والعبر من حديث هناوحديث هناك عن اولوية ابي بكر في خلافة رسول اللّه(ص).
وقد تميز بحث الدكتور البوطي بنزعة فكرية وفقهية، فقد عالج عددا غير قليل من قضاياالفقه والفكر وبعضها كان جادا وساخنا، وقد برزت شخصيته كباحث ناقدا ومدققا، ولكنه على مستوى البحث التاريخي، وفي اطار السيرة تحديدا استسلم لعدد غير قليل من المقولات الشائعة، ومن ذلك موقفه من حديث شق الصدر، وحديث عائشة عن نزول الوحي على النبي(ص) وكيفيته، ودور ورقة بن نوفل في ذلك، وحديث سحر النبي ايضا.بل ان خبر سحره(ص) عند البوطي يدخل في جملة الخوارق التي اكرم اللّه بهارسوله(ص)، فهو ليس مثار نقيصة له، وانما هو دليل جديد من ادلة اكرام اللّه له وحفظه اياه.
الاتجاه الثالث لا يختلف اثنان في ان السيرة النبوية تشكل احدى اهم الركائز الاسلامية بعد كتاب اللّه،وهي بهذا المركز لا بد من ان تكون موضع عناية واهتمام شديدين، وان لا تكون موضع عبث العابثين او المتطفلين، وبخاصة هولاء الذين لا يحسنون التعاطي معها فيسيئون اليهامن حيث لا يشعرون.
وانطلاقا من هذه الحقيقية اهتم عدد كبير من العلماء والباحثين قديما وحديثا بالسيرة تدقيقاوتحقيقا بغية الوصول الى اكبر قدر ممكن من الاطمئنان الى حقائق التاريخ النبوي، بعيداعن الاضافات والاختلاقات. ولم يدخر القدماء والمحدثون من المحققين جهدا لتحقيق هذا الغرض الكبير. وثمة عدد كبير من المحققين في القرن الميلادي الاخير مما هو يرتبط بموضوعنا من امثال السيد هاشم معروف الحسني في «سيرة المصطفى نظرة جديدة»والسيد جعفر مرتضى العاملي في «الصحيح من سيرة النبي الاعظم»، والشيخ جعفرسبحاني في «سيرة سيد المرسلين»، والدكتور محمد بيومي مهران في «السيرة النبوية الشريفة»، والدكتور اكرم العمري في «السيرة النبوية الصحيحة»، والدكتور محمد ابو شهبة في «السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة»، والدكتور عماد الدين خليل في «دراسة في السيرة» والدكتور حسين مونس في «دراسات في السيرة» وغير هولاء كثر، لا يسعنا ملاحقة نتاجاتهم الفكرية ودراساتهم التاريخية، وانما نكتفي برصد بعض هذه الدراسات ومحاولة اكتشاف المعالم العامة لها وقيمتها المعرفية والعلمية.
سيرة المصطفى السيد هاشم معروف الحسني كان همه كشف ما الحق بالسيرة النبوية من زيف وتشويش على يد المحبين والاعداء والحاكمين، ويبدو انه تعامل مع مصادر السيرة بحذر منهجي على خلفية دوافع اربابها وانتماءاتهم السياسية والمذهبية، وسجل تحفظه على تضخم ملف الخوارق في السيرة النبوية وترهله، من دون ان يبالغ في نفي المعجزات والخوارق،ففي الوقت الذي نفى فيه عددا من المعجزات والكرامات التي سطرتها بعض مصادرالسيرة، وكمثال على ذلك، تحفظه على كرامات النبي(ص) في سفره الى الشام في تجارة خديجة او مع عمه ابي طالب، فانه تعاط ى على حذر مع حادثة شق الصدر فقد ردهااثباتا اي على مستوى الادلة دون ان ينفها ثبوتا على مستوى الامكان ومثل ذلك حديث بحيرا الراهب فانه لم يستبعد اصل القصة ولكنه نبه على طبيعة الاختلاق والوضع في التفصيلات.
ولكنه في السياق نفسه ذكرحادثة سجود الشجر للنبي(ص) دونما تحفظ، وقد رد على الشيخ محمد عبده تاويله لحادثة طير الابابيل وتدميرها جيش ابرهة الحبشي، لانه عدول عن ظاهر القرآن بغير شاهد ودونما مبرر علمي.
من جهة اخرى لم يخرج السيد الحسني في سيرته عن الاطار التقليدي السائد، فقد جاءبحثه حوليا، وقد مهد لبحثه بمقدمة عن حياة العرب واحوالهم، ونفى ان تكون حياتهم كماصورها بعض الباحثين خالية من الابداع والحضارة والقيم، ولكنه بالغ في ما وصفه بالتحرك العربي للاصلاح. والحقيقة انه بنى ذلك على معطيات لا تفي بالغرض، وهي بالاصل مرويات اهل الاخبار، وهي ليست ذات قيمة كبيرة تاريخيا كما هو المعروف، ولعل موقفه من قصة نذر عبد المطلب ربما يوحي بالحذر، وقد يكون ناشئا من طبيعة المصدرالتاريخي الذي يعود الى اهل الاخبار.
وعلى الرغم من الحس النقدي الذي تميز به السيد الحسني فانه لم يتردد في تسجيل بعض المقولات التاريخية السائدة دونما تحفظ، مثل العداء التاريخي بين الهاشميين والامويين والاصل التكويني لذلك، وحليمة السعدية وابائها النبي(ص) اول الامر ليتمه ثم قبوله اذعانا للامر الواقع.
ولكنه سجل ملاحظات قيمة على عدد من المقولات التاريخية الذائعة الصيت، ومن ذلك عمل النبي بالرعي ولم يستبعد ان يكون الاصل في ذلك روايات ابي هريرة ولا يخفى على احد عمله بالرعي وما يعنيه ذلك بالنسبة له امام تعيير بعضهم له، هذا فضلا عن طبيعة الاشياء التي تستبعد انشغال النبي(ص) بعمل من هذا النوع وهو حفيد عبد المطلب وابن اخي ابي طالب، مع اهتمامهما به وخوفهما عليه. كما عالج قضية غاية في الاهمية وهي سن امير المومنين(ع) حين اسلامه، وقد رجح ان يكون عمره يومذاك اربعة عشر عاما بناءعلى المعطيات التاريخية التي توكد انه انضم الى النبي(ص) وهو ابن ثماني سنين وعاش معه سبع سنين الى ان اتى جبرئيل النبي(ص) بالوحي. وبهذه الحقيقة ينظر الى التمحلات التي اخترعها بعض الكتاب بريبة، تلك التي حاولت الجمع بين اسلام علي(ع)المبكر واسلام ابي بكر المبكر ايضا وفاقا لبعض الروايات فصنفوا عليا اول المسلمين في الصبيان وابا بكر اول المسلمين في الرجال، وردا على تخرصات بعض الحاقدين في التقليل من شان اسلام علي(ع) وهو صبي ابن سبع سنين كما يدعون.
وقد ناقش في روايات الاذان والاقامة ودور عمر بن الخطاب في ذلك، ورجح ان تكون من موضوعات الامويين والمنافقين للايحاء للمسلمين بان التشريعات التي اتى بها رسول اللّه(ص) كانت من وحي المنامات، وكان يشترك معه عمر بن الخطاب في تشريعها،ولكن نفيه لم يكن بدافع طائفي مذهبي، فقد رد في مجال آخر الروايات التي تناقلتها بعض المصادر وادعت ان الصحابة ومنهم عمر وابا بكر شربوا الخمر بعد تحريمها، وذكر ان تحريم الخمر كان في عهد مبكر وقبل هجرة النبي(ص) الى المدينة كما اشار الى روايات شرب حمزة عم النبي الخمر وكشف انها من صنع الزهري وقد وضعها للامويين.
وقد عالج الحسني في كتابه (سيرة المصطفى) حديث الافك معالجة غاية في الدقة،تنبىء عن حس نقدي عال، وعلى هامش حديث الافك اشار الى ضعف اسانيد الروايات التي نصت على ان النبي(ص) لم يكن ليغزو الا ومعه الواحدة او الاثنتين من نسائه.
بحثان مهمان يبقى ان نشير الى بحثين مهمين احدهما للدكتور اكرم العمري في «السيرة النبوية الصحيحة»وثانيهما للدكتور محمد ابو شهبة في «السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة».
سعى الاول لدراسة السيرة ومقولاتها التاريخية وفقا لمقاييس الصحة السائدة بين اهل الحديث، ويبدوان بحثه الاهم من نوعه والاكثر حظا من غيره في النجاح، ولكنه لم يشا الخروج على ما هوسائد وشائع عند المحدثين. اما الثاني فهو اقل ابتكارا ونجاحا من سابقه ولكنه الاكثر سعة واحاطة بيد انه وان حافظ على متابعة المحدثين لم يات على الاسانيد او احاطة القارىءعلما بقيمتها العلمية عندهم. وسلك كل من العمري وابي شهبة الاطار التقليدي للسيرة شكلا والسائد التاريخي مضمونا.
البحث الاكثر جراة وتحررا وقد كان الدكتور محمد بيومي مهران الاكثر جراة وتحررا في مدرسة اهل السنة، فقد جاءبحثه: «السيرة النبوية الشريفة» محافظا من جهة، وبخاصة من حيث الشكل، وسالكا، من جهة اخرى سبيل الحقيقة والواقع.
وربما يكون من المناسب دراسة بحثه الذي يستغرق ثلاثة مجلدات، فقد قدم الدكتورمهران لبحثه بدراسة وافية تبين موضوعه ومدى حيويته وحضوره في حياة المسلمين، كماحدد مصادره التي ارجعها الى القرآن الكريم والحديث وكتب الدلائل دلائل النبوة وكتب الشمائل، وكتب السير والمغازي. وفي القسم الخامس اشار الى تطور كتابة السيرة ومراحلهاتاريخيا.
وعلى العموم كانت مقدمته تلك مفيدة وهامة، وان كان يمكن تسجيل عدة ملاحظات عليها قد يكون اهمها اصل التقسيم الوارد في مصادر السيرة وحصرها في خمسة، فانه قد يقال برجوع هذه الاقسام الى ثلاثة: القرآن والحديث والسير والمغازي، اماكتب الدلائل والشمائل فهي بالمحصلة اما من الحديث او السير.
ما اشرنا اليه لا يقلل من اهمية البحث فقد كانت مصادر الدكتور بيومي متنوعة للغاية، مااضفى على بحثه قدرا كبيرا من الدقة والوثاقة والنزاهة.
تميز بحث الدكتور بيومي بنزعة نقدية واضحة، خاصة في تلك المسائل التي كانت ولا تزال مثار البحث والجدل، وقد تكون في مقدمتها المسائل التي ترتبط بالنزاع المذهبي.وكنموذج نشير الى موقفه من مسالة ايمان ابي طالب، فانه يعقب على راي ابي زهرة وهويرى ايمان ابي طالب قائلا: «واما آخر الحديث عن ابي طالب فيكفي فيه القول انه كان يحب رسول اللّه(ص) حبا جما، وكان رسول اللّه(ص) يبادله هذا الحب ويعامله كما يعامل ابن ابا، كما كان ابو طالب يعامل النبي(ص) كما يعامل اب ابنا، وليس ادل على قولنا هذا من قول المصطفى(ص) لعقيل ابن ابي طالب: «احبك حبين، حبا لقرابتك، وحبا لما كنت اعلم حب عمي اياك» وهذا يدل بوضوح على ان النبي(ص) لم يكن يحب عمه فحسب، بل كان يحب كذلك من يحبه ابو طالب، فهل كان النبي(ص) يحب كافرا هذا الحب كله، لست ادري ما راي المنادين بكفر ابي طالب في هذا كله». انما الاهم الذي يشير اليه الدكتوربيومي هو الخلفية الحقيقية لاحاديث كفر ابي طالب، وتلك اشارة منهجية مهمة، يقول:«ارجو الا يغيب عن المحدثين بكفر ابي طالب ان سيرته قد سجلت على ايام الامويين والعباسيين وهم اعدى اعداء ابي طالب وذريته».
نشير الى مفارقة منهجية ارتكبها الدكتور محمد ابو شهبة في قضية ابي طالب فقد قال:«فالصحيح الذي دلت عليه الاحاديث الصحيحة التي رواها الشيخان وغيرهما، واما ما روي من انه اسلم فهي روايات ضعيفة موضوعة». لعل ابو شهبة لا يدرك مبرر الوضع الا بطريقة معكوسة! وثمة حادثة ذات صلة بالموضوع، وهي لجوء الهاشميين بزعامة ابي طالب الى الشعب،هذه الحادثة كانت مثار مناقشة من الدكتور البوطي، اذ تساءل عن فائدة اعتصام الهاشميين وما حققوه من اعتصامهم للنبي(ص) محاولا تكييف موقفهم بانه محاولة لحماية شخص النبي(ص) لا الرسالة. علق الدكتور بيومي على ذلك فقال: «ولست ادري ماذا كان يريدالشيخ البوطي من بني هاشم ان يفعلوا؟ هل كان يريد لهم ان يتخلوا عن رسول اللّه(ص)ويسلموه لكفار قريش ليقتلوه، وهل كان في امكانهم ان يفعلوا اكثر مما فعلوا، انهم حموارسول اللّه(ص) من كل غادر لئيم او فاجر زنيم واتاحوا له(ص) الفرصة لينشر دعوته، بل ان البوطي نفسه يقول بعد ذلك في: (فقه السيرة) ان حزن الرسول(ص) على عمه وتسمية عام موته بعام الحزن لا لفقد قريب استوحش فقده، ولكن بسبب ان ما اعقب موته من انغلاق معظم مجالات الدعوة في وجهه، فقد كانت حماية عمه تترك له مجالات كثيرة للدعوة..».
واذا كان المنهج النقدي غائبا عند الدكتور بيومي، فاوضح من ذلك تحلله من طغيان القيدالطائفي والاسر المذهبي، فقد عالج مسائل حادة ذات شان مذهبي قلما يجتازها الباحث بنجاح، تجاوزها الدكتور بيومي برباطة جاش وشجاعة فائقة، فلم يعمد الى المنهج الانتقائي في تسجيل الاحداث وتحديدها وتشخيص حقيقتها وطبيعتها، وان كانت لاتنسجم ربما مع مذهبه، كان ذلك واضحا في مسائل شديدة الحساسية، من قبيل «من كان اول الناس اسلاما» فقد اشار الى اسلام علي(ع) المبكر واسبقيته، ولم يلجا الى تلك المحاولات المهترئة التي تحاول الجمع بين الاخبار التي ظهرت لاسباب مذهبية«340»، بل لا يجد غضاضة في القول ان رسول اللّه(ص) مات في حجر علي(ع)، دون ان يلتفت الى روايات انتشرت وذاعت في مدرسة اهل السنة صرفت ذلك الى حجر عائشة. وفي السياق نفسه لم يشا لنفسه ان يغفل احداثا هامة اغفلها آخرون تاثرا بانتمائهم المذهبي، فقدسجل حديث الدار والوصية والنداء المبكر الذي صاحب امر الرسول بانذار الاقربينومثله حديث الغدير فقد اتى عليه وافيا بحقه من دون ان يحاول صرفه الى حادثة اليمن كما فعل آخرون.
ومع نزعته النقدية الواضحة فقد غاب حسه النقدي عن التعليق على عدد من المقولات التاريخية، وجاء بحثه خلوا منها من قبيل دور ورقة بن نوفل في نزول الوحي على النبي(ص) وحادثة شق الصدر التي حاول تسويقغها كثيرا وتلمس الاسباب والدوافع لها،كما جاء موقفه من سحر النبي(ص) غامضا اكتفى معه بنقل الاقوال وملاحقة آراء العلماء.
بحثان متميزان في خاتمة الحديث عن الاتجاه الثالث ننوه الى بحثين متميزين الى حد ما، وبخاصة من حيث الاطار الذي سارت عليه الاحداث، ويقف في المقدمة كتاب «دراسة في السيرة»للدكتور عماد الدين خليل، وياتي بالدرجة الثانية كتاب «دراسات في السيرة» للدكتورحسين مونس، فقد حاول الاول ادخال تغيير منهجي كبير، فقد افلت من الخط الزمني لاحداث السيرة، ذلك الخط الذي وقع في اسره معظم الباحثين من وجهة نظر عماد الدين خليل فضاعت في مجراه حقائق، وطمست دلالات وقيم، ما كان لها ان تضيع او تنطمس لوقسمت وقائع السيرة الى وحدات متجانسة خصصت لكل وحدة منها مساحة مناسبة في البحث، استقصيت فيها سائر جوانبها ونسقت جل وقائعها، وحللت معظم دلالاتها وقيمها.اما المجرى الزمني فانه ومن وجهة نظر عماد الدين خليل يدفع الباحث الى ان يحشر في النقطة الواحدة او المقطع الواحد مجموعة احداث ووقائع متنافرة غير متجانسة ويلجئه احيانا اخرى الى تقطيع الواقعة الواحدة الى اجزاء متناثرة لا يضمها اطار واحد ولا يوحدهاتجانس نوعي.
هذا المنهج اكسب بحث الدكتور خليل فرادة خاصة، وبسببه استطاع ان يقدم صورا متكاملة لاكثر من حدث واكثر من علاقة في وقت تعرض هذه الاحداث والوقائع والعلاقات كاشلاءمتناثرة يصعب على القارىء بل الباحث احيانا جمعها وربطها بشكل موضوعي. ولعل اهم ابحاث كتابه فصل «الصراع مع الوثنية» وفصل «العلاقات بين الاسلام والجبهة البيزنطية النصرانية» وفصل «الصراع مع اليهود».
اما بحث الدكتور مونس فربما يقترب من بحث الدكتور خليل، ولكن لا يرقى اليه من حيث التجانس والترابط الموضوعي، الا انه من جهة اخرى توفر على دراسة عدد من المسائل بالطريقة نفسها، وخاصة معارك الرسول(ص) ودعا الى دراستها كتلة واحدة بعيدا عن التعليلات التي تقدمها السير والمغازي.
كما انصرف الى دراسة التاريخ الحضاري في عهدالنبي(ص) والتاكيد على كشفه. ومع ذلك فقد اشتمل بحثه على استطرادات هامة وتحقيقات قيمة، وبعضها لا يخلو من غرابة، الا ان اخطرها وهو يتحدث عن الشخصيات التي اسهمت في تكوين شخصية النبي(ص) من اجداده ما نسبه الى عبد المطلب، فوصفه برجل الدين والعقيدة، وانه كان اقرب الى الكهان في خلقه وطريقته في تصريف الامور،وانه هو الذي جعل الكعبة مركزا للوثنية العربية وجعل القبائل تضع نماذج من تماثيل معبوداتها حول الكعبة!! 4- الاتجاه الماركسي ثتناولت عدة اقلام ماركسية السيرة النبوية بالبحث والدراسة، بعضها كان على هامش دراسة قضايا ذات صلة بالسيرة النبوية، وبعضها الاخر تناولها على نحو مستقل. وليس ثمة مايوحي بالغرابة فللماركسيين نظرتهم الخاصة ورويتهم الفكرية المميزة، فلا عجب ان يسجلوا موقفهم من ظاهرة النبوات بشكل عام، ونبوة محمد(ص) ورسالته، تلك التي لازالت حاضرة بقوة في العالم الاسلامي المترامي الاطراف.
وكما كتب المستشرقون على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والاقليمية والدينية في حقل السيرة، فقد كتب مستشرقو الماركسية في هذا الحقل الهام ايضا، ومثلما كان معجبون ومقلدون للمستشرقين الغربيين، فقد كان للمستشرقين الماركسيين معجبون ومقلدون ايضا، وهولاء المعجبون متحمسون جدا لا للاستشراق الماركسي وحسب، بل وللاستشراق بكل انوعه، وتنوعاته، ما دام يحقق هدفا نبيلا من وجهة نظرهم، وهو ردالاسلام ونبوة محمد(ص) الى معطيات دينية سابقة: النصرانية واليهودية بل المانوية..
اومعطيات بيئية.
وكان من الطبيعي ان تنطلق المدرسة الماركسية في تفسير ظاهرة النبوة بشكل عام وظاهرة الاسلام ونبوة محمد(ص) بشكل خاص من منطلقات ماركسية وبادوات ومقولات ماركسية، ولذلك تبدو مقولات الاقتصاد وتقسيم المجتمع الى بروليتاريا وبرجوازية الخ..حاضرة بقوة وذات كثافة ايضا.
لسنا بصدد مناقشة هذه المقولات او مدى صحة تطبيقها في هذا الحقل فلذلك مجال آخر،انما نحدد المعالم الرئيسية لهذا الخطاب وآلياته مما يساعد على الكشف عن الاهداف المحركة للبحث.
لعل آخر ما صدر للماركسيين العرب في حقل السيرة ما كتبه سيد قمني في كتابه «حروب دولة الرسول» من جزئين، وما كتبه الدكتور طيب تيزيني في كتابه «مقدمات اولية في الاسلام المحمدي الباكر».
وسنقتصر على الاشارة الى المعالم الرئيسة ل «مقدمات اولية في الاسلام المحمدي»باعتباره النموذج الاكمل والاكثر حداثة في هذا الحقل، على ان نعمد في سانحة اخرى لمناقشتهما معا في دراسة مستقلة.
بغية تفسير ظاهرة الاسلام يكثف (تيزيني) ادوات الماركسية ومقولاتها وبطريقة لا تخلو من مهارة، ويعمد الى تكثيف نصه ومحاولة تحشيده بالاصطلاحات الحديثة بل والاشتقاقات المحدثة ايضا. وهنا نعترف للدكتور تيزيني بالاطلاع الواسع على التراث العربي الاسلامي،على خلاف عادته في بحوث اخرى يبدو فيها ساذجا وسطحيا الى درجة كبيرة، ومع ذلك فان تعاطيه مع هذا التراث المترامي الاطراف يشي بضعف منهجي وتدن ظاهر في حقل التراث وقيمته وطرق الوثوق به او التعاطي معه.
انطلاقا من القاعدة الماركسية لتيزيني يدور بحثه حول قضية مركزية للكتاب، هذه القضية التي يمكن ان توجه كل المسائل التفصيلية باتجاهها وعلى ضوئها، وبفضلها يمكن تقديم صياغة نظرية لنشاة الاسلام وتاسيسه على يد نبي الاسلام محمد(ص)، تنسجم والروى الماركسية وتفسيرها للظواهر الاجتماعية.
من وجهة نظر (تيزيني) تعد الجاهلية مقدمة للاسلام وليس ثمة مصدر رئيس وهام سواها،فالاسلام اذن نشا وولد من احشاء ما قبل الاسلام والمصطلح عليه بالعصر الجاهلي.وبكلمة اخرى فان الجذر الاساس لظاهرة الاسلام ونبوة محمد هو التوحيدية ذات الطابع«الاقوامي العربي» التي حملت واكتسبت تعبيرا خاصا عرف بالحنيفية. وليس ثمة اختراق خارجي لمكة دعاها الى هذه التوحيدية، بل هي اختراع داخلي لغرض ردم العوائق التي اخذت تهدد حاضرة مكة اقتصاديا وتنذر بسقوطها، كان نتيجته العثور على صيغة توحيدية تلبي حاجة الاقتصاد المكي.
هذا الابداع الذي توفر عليه (تيزيني) وان لم يكن يصرح بانه كان بتاثيرات «يوهان فك»وبوحي منه، فانه لم يخف اعجابه بافكاره التي حملها كتابه «الثقافة العربية والاسلام في العصور الوسط ى»، وبخاصة تلك التي فسرت ظاهرة الحنيفية.
«يوهان فك» ليس وحده الذي ترك بصماته واضحة في بحث (تيزيني)، فثمة اسماء لامعة لمستشرقين معروفين سجلت حضورها بقوة في بحث (تيزيني) من امثال (بيتروشيفسكي وفلهوزن وبلاشير وبروكلمان وحبيب).. وان اوتي (تيزيني) القدرة على الايحاء لقرائه وبلباقة بجدة بحثه وطراوة افكارة ورواه المبتكرة.
ولغرض تمرير هذه الفكرة الاساسية لبحث (تيزيني) يحاول التاكيد على عمق الاتجاه التوحيدي في مكة باعتباره تيارا او فرقة دينية ذات كيان متميز ومستقل، بل وينفي ان يكون مكة(ترسانة) وثنية، ويرفض ان تكون كذلك، والحال ان مكة من وجهة نظره كانت مزدهرة بالاتجاه التوحيدي المعبر عنه بالحنيفية.
واذا كان الحجاز، ومكة تحديدا، مزدهرين بالاتجاه التوحيدي فلا غرابة بظهور دعوة محمد(ص) الى التوحيد وتبني الاسلام، فهو حالئذ افراز طبيعي لهذه الاتجاه ونتيجة حتمية له.
هنا لا يقدم الدكتور (تيزيني) معطياته وشواهده المكثفة على قوة حضور هذا الاتجاه ومدى تجذره في مكة على الاقل، بل على العكس تماما ينساق مع المصادر التاريخية التي توكدحضور الوثنية بقوة ثقتها في مكة وخارج مكة. بل يوكد بناء على اخبار غير ذات قيمة ان النبي محمد(ص) كان على ملة قومه يعبد الاوثان، من غير ان تبدو المفارقة (لتيزيني) اويحتملها.
هنا اشير الى طبيعة المنهج الانتقائي (لتيزيني) الذي يحاول التشبث باي معط ى دون ان يلتفت الى المعطيات الاخرى، بل واستنتاجاته منها ايضا، فهو في الوقت الذي يوكد على الطابع المحلي للحنيفية ونفي او التقليل من التاثيرات الخارجية، لا يجد غضاضة في تفسيربعض حالات النبي(ص) في الحقبة الاسلامية الاولى بناء على تاثيرات خارجية بعيدا عن الحنيفية الصافية، بل تبدو الحنيفية عنده في هذا المقطع افرازا خارجيا ومظهرا من مظاهره.
يلاحظ على (تيزيني) حديثه عن موامرات خطيرة ومخططات كبيرة حاكها ورقة بن نوفل بمعونة خديجة لاستدراج محمد(ص)، وحديثه عن تاثيرات ورقة وعداس وبحيرا.. كل ذلك بناء على معطيات غير مسلمة وغير واضحة حتى، بل شكك فيها وقلل من شانهامستشرقون لا تهمهم نبوة محمد(ص) ان لم يهمهم هدم الاسلام والنيل من نبيه.
وننوه هنا الى الطريقة الالتقاطية التي اتبعها (تيزيني) في تعامله مع الاخبار، وهي طريقة تذكر باسوا ما عرفه تاريخ الاستشراق من تعصب وكذب واستهتار بالمنهج العلمي، فيعمدالى التهويل ومحاولة اسباغ القيمة العلمية المرموقة على مصادر عرفت بالاختراقات الالصهاينة ية لها وتاثرها بالطابع الاسطوري، ومن ذلك كتب الاصنام للكلبي الذي نقل منه عبادة النبي(ص) للاوثان، وكتاب «السيرة الحلبية» الذي ازدحم بالغث والسمين، ولم يكن في يوم من الايام موضع اهتمام الباحثين الا لمثل (شبرنكر وكيتاني ولامنس).
وطريقة (تيزيني) تذكر بطريقة (شبرنكر وكيتاني ولامنس) بتعويلهم على الاخبار الضعيفة والغريبة دونما اعتبار لموازين الصحة والسقم التي اعتبرها العلماء ومدى اختلافهم فيهاايضا وربما فاقهم في ادعاءاته الكبيرة وتهويلاته الضخمة كما في قصة الغرانيق وقصة بحيرا، بل وقصة عداس التي عدها من القضايا المتواترة«360»، وهي قضية لم يرد فيهاحديث صحيح.
وقد تبدو تحليلات الدكتور (تيزيني) ضربا من التخيلات والاوهام وربما تقترب من الهلوسة، ويصلح شاهدا تنظيره لموقف النبي محمد(ص) من الاعراب، فيرى تيزيني انه موقف محكوم بتطور تجربة محمد وخبرته وتعمق هذه الخبرة، ففي وقت من الاوقات راى محمد في الاعراب الكفر والنفاق، ولكنه في وقت آخر وبتعمق التجربة المحمدية يلاحظ ان التعميم لم يكن صحيحا، فوجد فيهم من يومن باللّه ورسوله. وقد تحدث عن النسخ الذي كان محكوما هو الاخر بتطور هذه التجربة وتعمقها.
هنا قد يبدو للقارىء ان الايات التي تحدثت عن الاعراب متفرقة ونزلت على فترات متقطعة، ليوحي ذلك بتطور الموقف او تعمق التجربة المحمدية على راي (تيزيني)، الا ان الايات كما هو الواقع للاسف لم تكن كذلك وهي نزلت دفعة واحدة وفي سورة واحدة وهي سورة التوبة، والتي تحدثت لا عن الاعراب كبدو ونفاقهم بل عن الحضر ونفاقهم ممن كان في المدينة وفي الان نفسه.
خاتمة الاتجاهات المنوه بها عدا الاتجاه الماركسي تشترك جميعها في الدفاع عن الاسلام ونبوة محمد(ص)، وان اختلفت في مدى مصداقية هذا الهدف وصدقية الاليات المستخدمة.ولولا بعض الملاحظات هنا وهناك على هذا الاتجاه او ذاك لامكن القول بضرورتها منهجياوعمليا، فانها اكسبت حقل السيرة تنوعا في المحصلة يعود بالنفع عليه ويخدمه، ومع هذاالتنوع برزت كاروع ما تكون انسانيا واسلاميا، تاريخيا وحركيا، تحقيقا ووعظا.
ولكن مع ذلك لابد من الاشارة الى بعض المفارقات هنا وهناك التي تفتقر الى اعادة النظروالدراسة الموضوعية النزيهة:
1- بروز الطابع الطائفي في ابحاث السيرة ما اثقلها بظلال الطائفية وشوه بعض ابحاثها، بل واهم مفاصلها احيانا. ويبدو ذلك في عدد من المقولات التاريخية التي لا ينفك كتاب السيرة في اعادة تحريرها واجترارها دونما تحقيق او تمحيص، وقد اشرنا الى بعضها في مطاوي البحث. وفي الوقت نفسه تغيب وقائع تاريخية هامة او تذكر بطريقة هامشية، ولعل اوضح مثال على ذلك «واقعة الغدير» التي تعد اهم واقعة تاريخية في حياة رسول اللّه(ص)او على الاقل ابرز واقعة تاريخية في سني عمر رسول اللّه(ص) الاخيرة، فقد اهملت السيرالحديثة ذكرها تماما كما هو الحال في «حياة محمد» لهيكل، و«السيرة المحمدية» لفريدوجدي، و«فقه السيرة» للغزالي و«فقه السيرة النبوية» للبوطي... او تذكر بطريقة هامشية جداوبطريقة محرفة كما هو الحال في «السيرة النبوية» لمحمد ابو شهبة و«السيرة النبوية الصحيحة» للعمري.
وقد لاحظ الدكتور حسين مونس بحق على كتاب السيرة من المنتمين الى اهل السنة،اهمالهم لدور علي بن ابي طالب، وتجاهله، على خلفية الخصومة مع المسلمين الشيعة.
2- لا زالت كتب السيرة اسيرة المنهج التقليدي الحولي، وهو منهج ان كان يخدم السيرة في بعض الحالات يودي الى تمزيق اوصالها، وتبدو معه وقائع غير مترابطة، ونسيجا مفككا لايجمعه جامع. ولم يشذ عن هذا المنهج سوى عدد محدود قد يكون في مقدمتهم الدكتورعماد الدين خليل والدكتور حسين مونس.
3- غياب او تغييب المنهج القرآني في دراسة السيرة، وقد الحق هذا الغياب او التغييب ضررا فادحا بابحاث السيرة ومصداقيتها، خاصة تلك المرتبطة بالعقيدة بشكل مباشر، وقديكون في مقدمتها ظاهرة الوحي، وكيفية نزول الوحي على النبي محمد(ص)، فقد ظهرت روايات واخبار كان يفترض في الباحثين دراستها وتمحيصها على ضوء القرآن الكريم، غيرانها وللاسف مرت من دون ان تعرض عليه، ولا زالت تلحق الاذى بالسيرة وبنبوة نبينامحمد(ص)، خاصة اخبار ورقة بن نوفل ودور خديجة في ذلك، وللاسف اصر عدد من المسلمين على خلفية تعصبهم لمذهبياتهم الضيقة على هذه الروايات التي لا نجد شاهداعليها من القرآن، كما لم تصل الى حد الاستفاضة او التواتر، والا كيف يمكن ان يصدق احدالمسلمين ان نبينا(ص) اخذ يفكر في الانتحار من شاهق بعد وفاة ورقة بن نوفل، وكانه(ص)فقد توازنه، وتلك الرواية وردت في صحيح البخاري، ولغرض الدفاع عن صحيح البخاري يلجا بعض المتعصبين للتشبث بها وان كانت مما يضر بالاسلام والنبوة.
نشير في السياق نفسه الى ان بعض الباحثين تنبه الى ذلك وكشف ضعف الرواية وانها ليست على شرط الصحيح وان وردت فيه، وكم خبر على شاكلته في صحيح البخاري؟! وثمة شواهد اخرى لا تقل خطورة عما ذكرناه، وربما يكون منها حديث سحر النبي(ص)وتعرضه لوطاته، ومن الطريف ان يجعله الدكتور البوطي من الخوارق وكرامات النبي(ص)وقد رده اكابر العلماء ومنهم محمد عبده ومحمد رشيد رضا.
وقد يكون من المفيد الاشارة الى ضرورة البحث الدووب والجاد في حقل السيرة بعيداعن الانتماءات المذهبية ومرجعياتها الفكرية الضيقة وتراثها، والانفتاح على مرجعيات اخرى قد تكون اكثر صدقية، وفي هذا الصدد اشير الى حادثة «شق الصدر» التي تعرض لهاالنبي(ص) او يقال انه تعرض لها فانها في الوقت الذي وردت في بعض مجاميع اهل السنة الصحيحة، لم ترد في اية رواية عن اهل بيت رسول اللّه(ص) ما يشير اشارة واضحة الى طبيعتها وانها قد تكون من اختلاقات الرواة، وبخاصة اولئك المستسلمين من اليهودوغيرهم.
وفي هذا السياق نفسه اشير الى ضرورة دراسة السيرة بعيدا عن روايات الاخباريين او على الاقل الاشارة الى مدى قيمتها علميا وتاريخيا، لانها كفيلة بارباك ابحاث السيرة، خاصة تلك المرتبطة بالنبوة وحياة النبي(ص) ما قبل نبوته



التوقیع/

زهراء القدس

الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه Madine



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاتجاهات العامه المعاصرة فی دراسة السیرة النبویه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور المهدى فلسطين :: الملتقى الاسلامى :: السنة النبوية والسيرة العطرة-
انتقل الى: