بنت غزه
عدد المساهمات : 71 تاريخ التسجيل : 23/06/2010 الموقع : الاقصی فی عیوننا
| موضوع: صهينة القدس وجعلها عاصمة وثنيّة مغلقة الأربعاء 25 أغسطس 2010, 2:14 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمه الله نصر شمالي
المدن العربية جميعها مهمّة مهما كانت عادية أو ثانوية، لكنّ القدس ليست عادية ولا ثانوية، لأنّ وجودها مقترن بوجود الأمة العربية من أساسه، ولأنّنا إذا نظرنا إلى الوطن والأمة كجسد، وإلى كلّ مدينة عربية كساق أو ذراع أو عين أو أذن أو لسان، فإنّ القدس هي القلب أو الدماغ. إنّ الحياة تستمرّ وإن ناقصة بفقد عضو ثانوي، لكنّها تتوقف، ويكون الموت، في حال فقدان القلب أو الدماغ. وذلك هو موقع القدس وحالها مع سكّان المنطقة العربية على مدى آلاف السنين، منذ فجر التاريخ. إنّ القدس أكبر من الحقائق الإسلامية المحدّدة الثابتة التي تطرح اليوم، ناهيكم عن أنّها أسمى وأجلّ من أن تخضع للادعاءات والخرافات الصهيونية التي لا أساس لها. فهي، قبل أن تصبح القلب أو الدماغ، كانت الفقرة الرئيسية في العمود الفقري الذي نهض به جسم المنطقة الفتيّ في مراحله الأولى، والذي استندت إليه الوظائف الأزلية الإيجابية لسكانها، نعني وظائفهم كحلقة للوصل وتنظيم الصلات بين الأمم، لصالح جميع الأمم. وهكذا فإنّ صهينتها، باغتصابها أو بتدويلها، تعني إلغاء وظائف سكان المنطقة العرب، أي إلغاء خصوصيتهم وحضورهم، وبالتالي اضمحلالهم وفناءهم في الواقع. لقد تشكّلت الأمة العربية، في الطور الإسلامي، من جميع سكان المنطقة المتواجدين فيها منذ أقدم العصور المجتمعية. ولنلاحظ أنّ الخطاب الأول للدعوة الإسلامية (الذي لم يهادن الوثنيّة أبداً، والصهيونية وثنيّة) صنّف المسلمين بأنهم من انتمى إلى ملّة إبراهيم وملل الأنبياء والرسل الذين تلوه على مدى أكثر من ألفين وخمسمائة عام (منذ العام 1900 قبل الميلاد حيث بداية العهد الإبراهيمي). لقد ميّز الخطاب بحزم بين الإسلام الإبراهيمي عموماً وبين الإيمان المحمّدي خصوصاً، لكنّه لم يجعلهما متعارضين، بل متكاملين. ولقد لخّصت مدينة القدس هذا الخطاب بصورة رائعة تليق بمكانتها العظمى. فلا استئثار ولا احتكار، ولا إقصاء ولا إنكار، ولا تعصّب ولا استكبار، أي لا وثنيّة، بل تعزيز عربي لوظائفها الأزلية الأممية. اليوم، يعمل الصهاينة الوثنيون، اليهود وغير اليهود، على جعل القدس دائرة وثنية مغلقة، يستأثرون بها وحدهم ويحتكرونها، ويقصون وينكرون أمّتها والأمم الأخرى، ويمارسون فيها التعصّب والاستكبار، والاستثمار في الربا والقمار، بعد تحويلها إلى ما يشبه لاس فيجاس، وهذا الذي نقوله عن نشاطهم وأهدافهم ليس مجرّد تكهّنات، بل حقائق واقعية يمكن لمن يشاء الاطلاع عليها في سجلات الدوائر الإسرائيلية والأمريكية المعنيّة بالقطاع السياحي. بل لقد قرأت ذات مرّة أنّ الإسرائيليين لوّحوا لبعض الفلسطينيين بأهمية الاستثمار السياحي المشترك للأماكن المقدّسة، بما فيها المسجد الأقصى. والحال أنّ مشروع الكيان الإسرائيلي هو في الأساس مشروع استثماري ببعدين: الأول دولي تمثّله اليوم الولايات المتحدة كوريثة لبريطانيا وأوروبا، فهي بمساعدة المستوطنين الإسرائيليين تستولي على النفط العربي وعلى الأسواق الداخلية العربية. والثاني إسرائيلي يحوّل فلسطين إلى مركز استثمار دولي في الأعمال المشينة من جهة، وإلى مركز إدارة صهيوني للمنطقة العربية بمجملها من جهة أخرى. وبالطبع فإنّ هذا المشروع لن ينجح إلاّ بعد استكمال تهويد القدس أو صهينتها، ومن ثمّ انتزاع الاعتراف بها، كأمر واقع، عاصمة لمشروعهم. وعلى هذا الأساس رأيناهم، بعد استكمال احتلال فلسطين بكاملها عام 1967، يبدأون عمليات التسلّل سرّاً ومن دون ضجّة إلى جميع أنحاء القدس المحتلة، ويقيمون على مدى العقود التالية عدداً كبيراً من الأحياء الاستيطانية، التي بلغ عدد سكانها الصهاينة حوالي ربع مليون. في العام 1995 كان حال المقاومة الفلسطينية والعربية قد تغيّر سلبياً. فقد بدأ الحديث 'العقلاني المعتدل' عن إلقاء السلاح واستبداله بالمفاوضات والمقايضات. وإذا بالعمل السرّي الصامت لتهويد القدس يتحوّل إلى عمل علني ناطق. وإذا بالمتهوّد الخزري المرتزق إيهود أولمرت (رئيس بلدية القدس آنذاك) يعلن صراحة أنّه نجح في إقناع العشرات من أعضاء الكونغرس الأمريكي بالتوقيع على عريضة تنصّ على إصدار قرار بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، التي يفترض أنّ وضعها القانوني لا يسمح بذلك. بل إنّ بلديّته خصّصت أرضاً للسفارة مساحتها ثلاثون دونماً. وعندما زار كلينتون القدس لاحقاً، أسرع إلى شرفة فندقه العالية، ودعا فرحاً من معه لمشاهدة تلك الأرض، وقد غمرته الحماسة الصهيونية. إنّ الأميركيين يتطلعون بحزم إلى اليوم الذي ينقلون فيه سفارتهم إلى القدس. لكنّهم يعرفون أنّ الأوان لم يؤن بعد، سواء فيما يتعلّق بوضع الفلسطينيين أم بوضع العرب والمسلمين عموماً، بعكس أولمرت وأمثاله من المرتزقة الصغار المستعجلين. لكنّ الأميركيين لم يمانعوا بل شجّعوا الانتقال من مراحل التسلّل اليهودي سرّاً إلى مرحلة المداهمات والجرّافات وهدم الأحياء المقدسية وتهجير سكانها. فمثل هذه النقلة المتقدّمة تتفق وسويّة النقلة المتراجعة للنظام الرسمي العربي، الذي أدار ظهره لما يحدث في القدس، ولما يحدث في جميع المدن والقرى الفلسطينية. إنّه النظام الذي ينطبق على حكّامه تماماً قول شاعرنا ابن الرومي: "يضحك إبليس سروراً بهم/ لأنّهم عارّ على آدم". يجب أن لا يخامر أحد أدنى شكّ في أنّ الأمريكيين الإنكليز اللوثريين يعملون بدأب ويتطلعون بلهفة إلى ذلك اليوم الذي يكتمل فيه تهويد القدس، وبالتالي تصبح عاصمة إسرائيلية كأمر واقع. لكنّهم على يقين من أنّ الوصول إلى ذلك اليوم يقتضي استكمال صهينة النظام الرسمي العربي، ورضوخ الأمة. وإذا حدث ووصلنا إلى يوم مشؤوم كهذا اليوم فسوف نرى احتفالات لا مثيل لها ربّما في التاريخ، تحضرها الإدارات الأمريكية وتوابعــها الدولية، ويحضرها أيضاً، كشرط لازم، حكام المناطق العربية المدارة وتوابعهم. غير أنّ عرضنا لمثل هذه الوقائع والأهداف الصهيونية الحقيقية لا يعني تسليمنا بحتمية تحقّقها، بل هو من باب أخذ العلم بما يفعلونه وما يبيّتونه لنا وللبشرية جمعاء. فالخطر يمكن أن يصبح جدّياً إذا لم نتعرّف على أعمال الأعداء وأهدافهم ونتحرّك على أساسها. وبالطبع، فإنّ حظوظ أمتنا كبيرة في إفشالهم ودحرهم، بخاصة وأنّ سلطان عصرهم الربوي الوثني بلغ ذروته وبدأ انحداره في الوقت نفسه.. وهذا موضوع آخر. | |
|