عاشقة فلسطین
عدد المساهمات : 734 تاريخ التسجيل : 30/05/2010 العمر : 43 الموقع : کل بلاد الاسلامیه موطنی و فلسطین فی قلبی
| موضوع: تنزيه محمد ( صلی الله علیه و سلم ) عن الضلال محم السبت 07 أغسطس 2010, 6:39 am | |
| [center]سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وآله
تنزيه محمد ( ع ) عن الضلال :
( مسألة ) : فإن قيل فما معنى قوله تعالى : ( ووجدك ضالا فهدى ) ( 1 ) أو ليس هذا يقتضي اطلاقه الضلال عن الدين ؟ وذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة ولا بعدها ؟ ( الجواب ) : قلنا في معنى هذه الآية أجوبة : ( اولها ) : انه اراد : وجدك ضالا عن النبوة فهداك اليها ، أو عن شريعة الاسلام التي نزلت عليه وأمر بتبليغها إلى الخلق ، وبارشاده صلى الله عليه وآله إلى ما ذكرناه اعظم النعم عليه . والكلام في الآية خارج مخرج الامتنان والتذكير بالنعم ، وليس لاحد ان يقول ان الظاهر بخلاف ذلك ، لانه لابد في الظاهر من تقدير محذوف يتعلق به الضلال ، لان الضلال هو الذهاب والانصراف فلا بد من امر يكون منصرفا عنه . فمن ذهب إلى انه أراد الذهاب عن الدين فلا بد له من ان يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها لفظ الضلال ، وليس هو بذلك اولى منا فيما قدرناه وحذفناه . ( وثانيها ) : أن يكون اراد الضلال عن المعيشة وطريق الكسب . يقال للرجل الذي لايهتدي طريق معيشته ووجه مكسبه : هو ضال لا يدري ما يصنع ولا اين يذهب . فامتن الله تعالى عليه بأن رزقه وأغناه وكفاه . ( وثالثها ) : ان يكون أراد ووجدك ضالا بين مكة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلمك من اعدائك . وهذا الوجه قريب لولا ان السورة مكية وهي متقدمة للهجرة إلى المدينة ، اللهم إلا ان يحمل قوله تعالى " ووجدك " على انه سيجدك على مذهب العرب في حمل الماضي على معنى المستقبل فيكون له وجه . ( ورابعها ) : ان يكون اراد بقوله " ووجدك ضالا فهدى " أي مضلولا عنه في قوم لايعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وارشدهم إلى فضلك . وهذا له نظير في الاستعمال . يقال : فلان ضال في قومه وبين اهله اذا كان مضلولا عنه . ( وخامسها ) : أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع " ألم يجدك يتيم فآوى ووجدك ضال فهدى " على ان اليتيم وجده وكذلك الضال ، وهذا الوجه ضعيف لان القراءة غير معروفة ، ولان هذا الكلام يسمج ويفسد اكثر معانيه .
تنزيه سيدنا محمد ( ع ) عن مدح آلهة قريش :
( مسألة ) : فإن قال فما معنى قوله تعالى : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ) ( 2 ) او ليس قد روي في ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما رأى تولي قومه عنه شق عليه ما هم عليه من المباعدة والمنافرة ، وتمنى في نفسه ان يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبينهم ، وتمكن حب ذلك في قلبه ، فلما أنزل الله تعالى عليه ( والنجم اذا هوى ) ( 2 ) وتلاها عليهم ، القى الشيطان على لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ، فلما سمعت قريش ذلك سرت به واعجبهم ما زكى به الهتهم ، حتى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد ايضا المشركون لما سمعوا من ذكر الهتهم بما اعجبهم ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا لايستطيع السجود ، فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت . واتى جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله معاتبا على ذلك ، فحزن له حزنا شديدا . فانزل الله تعالى عليه معزيا له ومسليا ( وما ارسلنا من قبلك ) الآية . ( الجواب ) : قلنا أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قصوها وليس يقتضي الظاهر الا احد أمرين ، اما ان يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت : تمنى كتاب الله اول ليله * وآخره لاقى حمام المقادر او اريد بالتمني تمني القلب . فان أراد التلاوة ، كان المراد من ارسل قبلك من الرسل كان اذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا ، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم ، فأضاف ذلك إلى الشيطان لانه يقع بوسوسته وغروره . ثم بين ان الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه ويحسم مادة الشبهة به . وانما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له صلى الله عليه وآله لما ذكب المشركون عليه ، واضافوا إلى تلاوته مدح الهتهم مالم يكن فيها . وأن كان المراد تمني القلب ، فالوجه في الآية ان الشيطان متى تمنى النبي عليه السلام بقلبه بعض ما يتمناه من الامور ، يوسوس اليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه اليها . وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده اليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك اسماع غروره . وأما الاحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهم السلام عنه . هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند اصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره . وكيف يجيز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله من يسمع الله تعالى يقول : ( كذلك لنثبت به فؤادك ( 3 ) يعني القرآن . وقوله تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) ( 4 ) . وقوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى ) ( 5 ) . على ان من يجيز السهو على الانبياء عليهم السلام يجب ان لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلى الله عليه وآله لان الله تعالى قد جنب نبيه من الامور الخارجة عن باب المعاصي ، كالغلظة والفظاظة وقول الشعر وغير ذلك مما هو دون مدح الاصنام المعبودة دون الله تعالى . على أنه لا يخلو صلى الله عليه وآله وحوشى مما قذف به من ان يكون تعمد ما حكوه ، وفعله قاصدا او فعله ساهيا ولاحاجة بنا إلى ابطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز ان يقع منه مثل هذه الالفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام . لانا نعلم ضرورة ان من كان ساهيا لو أنشد قصيدة لما جاز ان يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معنى البيت الذي تقدمه وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها . وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلى الله عليه وآله على ان الموحى اليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل ( ع ) ، وكيف يجوز السهو عليه . على ان بعض أهل العلم قد قال يمكن ان يكون وجه التباس الامر أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين ، فانتهي إلى قوله تعالى : ( أفرأيتم اللات والعزى ) ( 6 ) وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوأهم به فيهن ، قال كالمعارض له والراد عليه : ( تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ) فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلى الله عليه وآله . واشتبه علهيم الامر لانهم كانوا يلغطون عند قراءته صلى الله عليه وآله ، ويكثر كلامهم وضجاجهم طلبا لتغليطه واخفاء قراءته . ويمكن ان يكون هذا ايضا في الصلاة ، لانهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ، ويسمعون قراءته ويلغون فيها . وقيل ايضا انه صلى الله عليه وآله كان اذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات واتى بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى قال تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى على سبيل الانكار عليهم ، وأن الامر بخلاف ما ظنوه من ذلك . وليس يمتنع ان يكون هذا في الصلاة لان الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا . وانما نسخ من بعد ، وقيل ان المراد بالغرانيق الملائكة . وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم المشركون انه يريد آلهتهم . وقيل ان ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلى الله عليه وآله ، فلما ظن المشركون ان المراد به آلهتهم نسخت تلاوته . وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله : ( اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ) لان بغرور الشيطان ووسوسته اضيف إلى تلاوته صلى الله عليه وآله ما لم يرده بها . وكل هذا واضح بحمد الله تعالى .
تنزيه سيدنا محمد عن معاتبة الله له :
( مسألة ) : فإن قيل فما تأويل قوله تعالى : ( واذ تقول للذي انعم الله عليه وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه ) ( 7 ) او ليس هذا عتابا له صلى الله عليه وآله من حيث اضمر ما كان ينبغي ان يظهره وراقب من لا يجب ان يراقبه فما الوجه في ذلك ؟ . ( الجواب ) : قلنا : وجه هذه الآية معروف وهو ان الله تعالى لما أراد نسخ ما كان عليه الجاهلية من تحريم نكاح زوجة الدعي ، والدعي هو الذي كان احدهم يجتبيه ويربيه ويضيفه إلى نفسه على طريق البنوة ، وكان من عادتهم ان يحرموا على انفسهم نكاح ازواج ادعيائهم كما يحرمون نكاح ازواج ابنائهم ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله ان زيد بن حارثة وهو دعي رسول الله صلى الله عليه وآله سيأتيه مطلقا زوجته ، وأمره ان يتزوجها بعد فراق زيد لها ليكون ذلك ناسخا لسنة الجاهلية التي تقدم ذكرها ، فلما حضر زيد مخاصما زوجته عازما على طلاقها ، أشفق الرسول من ان يمسك عن وعظه وتذكيره لا سيما وقد كان يتصرف على امره وتدبيره ، فرجف المنافقون به اذا تزوج المرأة يقذفونه بما قد نزهه الله تعالى عنه فقال له ( امسك عليك زوجك ) تبرؤا مما ذكرناه وتنزها ، واخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلى امر الله تعالى فيها . ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا ) ( 8 ) فدل على ان العلة في أمره في نكاحها ما ذكرناه من نسخ السنة المتقدمة . فإن قيل العتاب باق على كل حال لانه قد كان ينبغي ان يظهر ما أظهره ويخشى الله ولا يخشى الناس . قلنا : أكثر ما في الآية اذا سلمنا نهاية الاقتراح فيها ان يكون صلى الله عليه وآله فعل ما غيره اولى منه ، وليس ان يكون صلى الله عليه وآله بترك الاولى عاصيا . وليس يمتنع على هذا الوجه ان يكون صبره على قذف المنافقين اهانته بقولهم افضل واكثر ثوابا ، فيكون ابداء ما في نفسه اولى من اخفائه على انه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي العتاب ، ولا ترك الاولى . وأما اخباره بأنه ( اخفى ما الله مبديه ) فلا شئ فيه من الشبهة ، وانما هو خير محض . وأما قوله ( وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه ) ففيه أدنى شبهة ، وإن كان الظاهر لا يقتضي عند التحقيق ترك الافضل ، لانه اخبر أنه يخشى الناس وان الله أحق بالخشية ، ولم يخبر انك لم تفعل إلا حق وعدلت إلى الادون ، ولو كان في الظاهر بعض الشبهة لوجب ان نتركه ونعدل عنه للقاطع من الادلة . وقد قيل ان زيد بن حارثة لما خاصم زوجته زينب بنت جحش وهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وأشرف على طلاقها اضمر رسول الله صلى الله عليه وآله انه ان طلقها زيد تزوجها من حيث كانت ابنة عمته . وكان يجب ضمها إلى نفسه كما يجب احدنا ضم قراباته اليه ، حتى لا ينالهم بؤس ولا ضرر . فاخبر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وآله والناس بما كان يضمره من ايثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهر الانبياء صلى الله عليه وآله وباطنهم سواء . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله للانصار يوم فتح مكة وقد جاء عثمان رضی الله عنه بعبدالله بن أبي سرح وسأله ان يرضى عنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذلك قد هدر دمه فأمر بقتله ، فلما رأى عثمان استحي من رده ونكس طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلك انتظارا منهم لامر رسول الله صلى الله عليه وآله مجددا ، فقال للانصار : أما كان فيكم رجل يقوم اليه فيقتله ؟ فقال له عباد بن بشر : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان عيني ما زالت في عينك انتظارا ان تومئ الي فاقتله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : الانبياء صلى الله عليه وآله لايكون لهم خائنة أعين . وهذاالوجه يقارب الاول في المعنى . فان قيل : فما المانع مما وردت به الرواية من ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في بعض الاحوال زينب بنت جحش فهواها فلما ان حضر زيد لطلاقها اخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعده وهواه لها ، أو ليس الشهوة عندكم التي قد تكون عشقا على بعض الوجوه من فعل الله تعالى وأن العباد يقدرون عليها ؟ وعلى هذا الوجه يمكنكم انكار ما تضمنه السؤال . قلنا : لم ننكر ما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة أن فعل الشهوة يتعلق بفعل العباد وأنها معصية قبيحة ، بل من جهة أن عشق الانبياء عليهم السلام لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم وحاط من مرتبتهم ومنزلتهم ، وهذا مما لا شبهة فيه ، وليس كل شئ يجب ان يجتنبه الانبياء صلى الله عليه وآله مقصورا على افعالهم . الا ترى ان الله تعالى قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة ، وكل ذلك ليس من فعلهم ، وأوجبنا ايضا ان يجتنبوا الامراض المنفرة والخلق المشينة كالجذام والبرص وتفاوت الصور واضطرابها ، وكل ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم . وكيف يذهب على عاقل ان عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه ، ونحن نعلم انه لو عرف بهذه الحال بعض الامناء والشهود لكان ذلك قادحا في عدالته وخافضا في منزلته ، وما يؤثر في منزلة احدنا اولى من ان يؤثر في منازل من طهره الله وعصمه وأكمله وأعلى منزلته . وهذا بين لمن تدبره .
تنزيه سيدنا محمد عن معاتبته في الاسرى :
( مسألة ) : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : ( ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ) ( 9 ) . وقوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) ( 10 ) أوليس هذا يقتضي عتابه على استبقاء الاسارى وأخذ عرض الدنيا عوض عن قتلهم ؟ . ( الجواب ) : قلنا ليس في ظاهر الآية ما يدل على انه صلى الله عليه وآله عوتب في شأن الاسارى ، بل لو قيل ان الظاهر يقتضي توجه الآية إلى غيره لكان اولى ، لان قوله تعالى : ( تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ) ، وقوله تعالى : ( ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم ) ، لا شك أنه لغيره ، فيجب ان يكون المعاتب سواه . والقصة في هذا الباب معروفة والرواية بها متظافرة ، لان الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله بأن يأمر اصحابه بأن يثخنوا في قتل اعدائهم بقوله تعالى : ( فاضروا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان ) ( 11 ) وبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك إلى أصحابه فخالفوه ، وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين ان الذي أمر به سواه . فإن قيل : فاذا كان النبي صلى الله عليه وآله خارجا عن العتاب فما معنى قوله تعالى : ( ما كان لنبي ان يكون له اسرى ) ؟ قلنا : الوجه في ذلك لان الاصحاب انما اسروهم ليكونوا في يده صلى الله عليه وآله . فهم اسراؤه على الحقيقة ومضافون اليه ، وإن كان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه . فان قيل : افما شاهدهم النبي صلى الله عليه وآله وقت الاسر فكيف لم ينههم عنه ؟ . قلنا : ليس يجب ان يكون عليه السلام مشاهدا لحال الاسر ، لانه كان على ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش ، ولما تباعد أصحابه عنه اسروا من اسروه من المشركين بغير علمه صلى الله عليه وآله فإن قيل : فما بال النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بقتل الاسارى لما صاروا في يده وان كان خارجا من المعصية وموجب العتاب ، او ليس لما استشار اصحابه فأشار عليه ابوبكر باستبقائهم وعمر باستيصالهم رجع إلى رأي ابي بكر ، حتى روي أن العتاب كان من اجل ذلك ؟ . قلنا : أما الوجه في أنه عليه السلام لم يقتلهم فظاهر ، لانه غير ممتنع ان تكن المصلحة في قتلهم وهم محاربون ، وان يكون القتل أولى من الاسر ، فاذا اسروا تغيرت المصلحة وكان استبقاؤهم اولى ، والنبي صلى الله عليه وآله لم يعمل براي ابي بكر رضی الله عنه إلا بعد ان وافق ذلك ما نزل به الوحي عليه . واذا كان القرآن لا يدل بظاهر ولا فحوى على وقوع معصية منه صلى الله عليه وآله في هذا الباب فالرواية الشاذة لا يعول عليها ولا يلتفت اليها . وبعد : فلسنا ندري من اي وجه تضاف المعصية اليه صلى الله عليه وآله في هذا الباب ، لانه لا يخلو من ان يكون أوحى اليه صلى الله عليه وآله في باب الاسارى بأن يقتلهم ، او لم يوح اليه فيه بشئ ، ووكل ذلك إلى اجتهاده ومشورة اصحابه ، فإن كان الاول فليس يجوز ان يخالف ما اوحي اليه ، ولم يقل احد ايضا في هذا الباب أنه صلى الله عليه وآله خالف النص في باب الاسارى ، وإنما يدعى عليه انه فعل ما كان الصواب عند الله خلافه ، وكيف يكون قتلهم منصوصا عليه بعد الاسر وهو يشاور فيه الاصحاب ويسمع فيه المختلف من الاقوال وليس لاحد ان يقول اذا جاز أن يشاور في قتلهم واستحيائهم ، وعنده نص بالاستحياء ، فهلا جاز ان يشاور وعنده نص في القتل ، وذلك أنه لا يمتنع ان يكون أمر بالمشاورة قبل ان ينص له على أحد الامرين ، ثم أمر بما وافق احدى المشورتين فاتبعه . وهذا لا يمكن المخالف ان يقول مثله ، وان كان لم يوح اليه في باب الاسارى شئ ووكل إلى اجتهاده ومشورة اصحابه ، فما باله يعاتب وقد فعل ما أداه اليه الاجتهاد والمشاورة ، وأي لوم على من فعل الواجب ولم يخرج عنه ، وهذا يدل على ان من اضاف اليه المعصية قد ضل عن وجه الصواب . [/cente] | |
|