بسم الله الرحمن الرحيمالأسير الفلسطيني وفسحة الموتضغط العمل ...وروتين الحياة ..وضيق النفس..يدفعك أن تذهب فسحة آخر الشهر مع أسرتك كي تسري عن نفسك وتستعيد قواك وتصبح أكثر عطاء وهذا الأمر ينطبق على الأسير في سجنه فان كان الحر يتفسح شهريا فالأسير من الممكن أن يتفسح أسبوعيا لكن على طريقة رجال يلبسون الكاكي ولا ترى منهم الا أجسادا عريضة وعضلات مفتولة لان اختيارهم كان ضمن مواصفات خاصة.
إنها فسحة البوسطة القاتلة ..تتساءل فسحة وقاتلة ؟؟ لم لا.. تعال معي في هذه الفسحة واحكم عليها بنفسك فستبدأ رحلتنا من سجن مجدو (ارض مرج بن عامر)حتى سجن الرملة منذ أن يأتي اسم الأسير انه سيذهب في فسحة للمحكمة فإذا بنفسية الأسير تتغير كما كل الفسحات عندما يحين وقتها ' لكن إلى ماذا تتغير نفسيته هيا معي لنرى..
وتبدأ الرحلة..بعد أن يكون الأسير قد اعد حقيبة السفر فيفتش عند خروجه من قسمه..حقيبته..ملابسه..وجسده ويوضع في قفص وبعد ساعة أو ساعتين يسمع صوت زردات الحديد من بعيد فإذا بهم أبطال الفسحة (قوات الناحشون) فيتحدث احد الأسرى المسافرين بصوت لا يكاد يسمع اسكتوا لقد حضر الناحشون فيخيم الصمت ويسيطر الخوف ويبدأ الاضطراب والإرباك.
يصرخ الناحشون على عادتهم وبصوت ثقيل على النفس الكل يقف صفا واحدا ووجهه للحائط فإذا به واحد من المتفسحين ممتد بملابس بنية قاتمة تثير فيك ذل الاستعباد وتعيدك للقرون المظلمة , وتوضع السلاسل الغليظة في الأيدي والأرجل بعد ذلك يتم التفتيش مرة أخرى وبشكل استفزازي حيث يلقى كل ما بحقيبتك على الأرض , وعليك وأنت مقيد اليدين والرجلين أن ترجع كل حاجياتك لحقيبتك وبعدها التفتيش الجسدي المستفز للغاية , وفي الأماكن الحساسة , وان كنت محظوظا تفلت من التفتيش العاري , لكنك لن تفلت من المساج للجسم من الرأس إلى أخمص القدمين , حتى أنهم يفتشون الرأس والفم والأذنين , يطلبون من الجميع خلع أحذيتهم وجواربهم ويتم تفتيشهم , وبعد ذلك يطلب منهم لبسها وهم مقيدون , وما أصعب هذا الشعور على النفس , ويؤمر الجميع بالسير حيث الحافلة , فعندما تراها ينشرح صدرك لأنها شاحنة بيضاء جديدة من أحدث الموديلات صناعة ألمانية تذكرك بتكفير ألمانيا عن محرقة اليهود , فكان تبرعها السخي لدولة الاحتلال , وعند صعودك متفائلا للحافلة تكون الصدمة والمفاجئة , تحسد العصفور في قفصه ; لأن القفص عبارة عن أسياج لتمنع الطائر من الفرار لكن هذه الشاحنة عبارة عن خزنة حديدية شبابيك في أعلاها عبارة عن ثقوب بالكاد يدخل فيها خيوط الشمس وقليل جدا من الهواء مكتوب عليها ممنوع إخراج الرأس أو اليدين , فما أروعها من سخرية , ينبعث منها رائحة القيء , وتعج فيها الحشرات والصراصير , كيف لا وقد تهيأت لهم ظروف مثالية من حرارة مرتفعة ورطوبة عالية واتساخ شديد , كتلة من الحديد في كل اتجاه , مقاعد حديدية , واجهات حديدية , وسلاسل حديدية بالأيدي والأرجل , كل هذا في مسافة مترين طولا وستين سنتي عرضا يجلس فيها أحد عشر رجلا أسيرا .
حافلة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب ثم يجد السير إلى سجن شطة والأعصاب مشدودة ومنتبهة كي لا يتم توقف مفاجئ فيصطدم الرأس في واجهات الحديد ولساعة من المسير تصل سجن شطة ويبدأ التفريغ والتحميل فيدخلوا عليك من العناة المجرمين من المعتقلين الجنائيين على خلفيات قتل اغتصاب وسرقات ومخدرات , وجوه مقفهرة وأجساد مليئة بالأوسمة ويمر الوقت لأكثر من نصف ساعة هناك ثم يتم الانتقال لسجن جلبوع المجاور ويتم التوقف هناك لأكثر من نصف ساعة أخرى وبعد ذلك يبدأ التوجه إلى سجني سلمون وحرومون المتجاورين وبعد ساعة ونصف يتم الوصول إليهما وبعد التوقف هناك لأكثر من ساعة تسير القافلة إلى سجن الجلمة ويستمر السير لأكثر من ساعة ويتم التوقف هناك لنصف ساعة أخرى ومن ثم إلى سجن الدامون هذا السجن الذي يعتلي جبل الكرمل عبر صعود وتعرجات صعبة ويبدأ البعض بالتقيؤ على الأرض وتنبعث الرائحة الكريهة , ثم تصل الحافلة الدامون بعد نصف ساعة من السير ويتم التوقف لأكثر من ساعة هناك ومن ثم الى سجن عتليت حيث شجيرات الموز من حوله, نصف ساعة في الطريق ومثلها أمامه ثم إلى سجن كفار يونا ولمثله من الوقت كما عتليت وتستقر الحافلة في مجمع الشرون حيث سجن هاداريم وتلموند وهشارون ورومونين وتنزل النحشون ليغيروا الشفت ولأخذ قسط من الراحة وتناول وجبة الطعام والشراب والفاكهة التي تنتظرهم .
أما المتفسحين تكون قلوبهم قد بلغت الحناجر والعرق بلل ملابسهم وقد بلغ منهم الجهد فيطلبون على استياء ماء باردا وطعاما وذهابا لقضاء الحاجة ويكون الرفض سيد الموقف ويكون الوعد اننا قريبا سنصل سجن الرملة حيث المعبار والطعام والشراب وقضاء الحاجة تمر ساعة ونصف إلى ساعتين في مجمع الشارون حيث الشمس المحرقة والحديد القاسي والانتظار الممل والأوجاع والتقرحات في الأيدي والأرجل والقاعدة والظهر فيحاول المتفسح أن يجلس مرة على جنبه الأيمن ومرة على جنبه الأيسر وثالثة على مقعديه ورابعة يسحل على ظهره ويبقى على هذا الحال طول الطريق وبعد هذا الانتظار القاتل تتحرك الحافلة متجهة إلى سجن الرملة حيث المحطة الأخيرة في الثلث الأول من الرحلة ويدب الأمل في المتفسحين بقرب اللقاء مع الفرشة ومكان قضاء الحاجة والطعام والماء وتمضي ساعة ونصف إلى سجن الرملة وتقف هناك أخيرا تنتظر بداخل الحافلة لساعة حتى يصل الأمر بالنزول ويتم التفتيش مرة ثالثة للحقائب والملابس والجسد وعبر المشكيف ويتم بعدها فك سلاسل الأرجل وتحمل حقائبك وتتجه إلى غرفة وأنت مقيد اليدين وبعد إغلاق باب الغرفة تمد يديك من شباك صغير في الباب كي يتم فك رباط اليدين هي فسحتنا التي تستمر لأكثر من أربعة عشر ساعة دون طعام ولا شراب ولا قضاء حاجة في خزنة حديدية شديدة الحر علما أن هذا وقت كفيل أن ينقلك وأنت طليق من قارة لأخرى .
فما رأيك بعد هذا الوصف شبه الدقيق , أليست فسحة قاتلة عدا أن هذا وصف لثلث الطريق حيث في اليوم الثاني يتم الذهاب في مثل هذه الظروف إلى محكمة عوفر ثم العودة إلى الرملة في نفس اليوم واليوم الثالث يتم العودة إلى مجدو حيث نفس الفسحة ونفس التجربة وكل هذا لكي تمثل في النهاية أمام محكمة هزيلة وقاض لا يملك من أمره شيء والأمر يومئذ للشاباك , أتعلم أن رأس الشرعية الفلسطينية رئيس المجلس التشريعي قد فسحوه إلى الآن أكثر من 95 مرة خلال فترة قضاها في السجن لأكثر من 22 شهرا وعمره 65 عاما ومعه العديد من الأمراض أتعلم أن فسحة واحدة بحاجة لأكثر من عشرة أيام كي تشفي جروحك من هذه الفسحة الرائعة , فما رأيك بفسحة على طريقة من يدعون الحضارة والنور والخير والتقدم أعلم ان الضيق أصابك جراء قراءتك للرحلة , فما بالك بمن ذاقها ولمرات عديدة فاكسروا قيدهم.
بقلم الأسير الإداري : سائد ياسين أبو عمر
ناشط حقوقي ومدير عام مؤسسة حقوقية
أعذرونا ياأخوتنا في فلسطين
على هذا التخاذل
فوالله أننا نألم متلما انتم تألمون